تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ إذْ وُقُوفُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ نَادِرٌ وَاشْتِرَاطُ لَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَا لَفْظُ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: ٣٢] الْآيَةَ وَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذْ لَا تَفْصِيلَ فِي النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهَا وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ جَاءُوا مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى لَجَلَدْتُهُمْ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِهِ وَقَعَ قَذْفًا وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلَا يَنْقَلِبُ شَهَادَةً إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا جَاءُوا جُمْلَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِتَعَذُّرِ أَدَائِهَا جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ الزَّوْجَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَلَنَا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِزِنَا امْرَأَتِهِ فَكَانَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ كَشَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ وَالْمُزْنِيَةِ) أَيْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ نَفْسِ الزِّنَا وَحَالِهِ وَمَوْضِعِهِ وَوَقْتِهِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي زُنِيَ بِهَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا إلَى أَنْ ذَكَرَ الْكَافَ وَالنُّونَ وَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُحْتَمِلٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَاجِبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِفْسَارُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ أَيْ ذَاتِهِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ غَيْرَ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ» وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَعَنْ كَيْفِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ أَوْ تَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ إلَى الْحَشَفَةِ وَعَنْ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ
وَعَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ تَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا حُكِمَ بِهِ) لِظُهُورِ الْحَقِّ وَوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْقَاضِي وَلَوْ قَالُوا لَا نَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِمْ زَنَى لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا الشُّهُودُ أَيْضًا لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَقْذِفُوا وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ احْتِيَاطًا حَتَّى لَوْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ وَصْفِهِ يُحَدُّونَ وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ
وَلَا وَجْهَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إلَى الْقَاضِي وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ تَحْقِيقٌ) أَمَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى السَّتْرِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَثُرَتْ شُرُوطُهُ قَلَّ وُجُودُهُ فَإِنَّ وُجُودَهُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَيْسَ كَوُجُودِهِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الِانْدِرَاءُ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً) أَيْ وَنَحْنُ نَقُولُ التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ «وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ») أَيْ «وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» فَلَعَلَّ الشُّهُودَ تُسَمِّي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا زِنًا وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا إلَخْ) كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْأَمَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِزِنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْمَكَانِ اهـ أَيْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ يَدٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الزِّنَا اهـ يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ لَا يُقْبَلُ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ مَا نَصُّهُ جَوَابُ كَيْفَ هُوَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا عَدَلُوا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ رَجْمًا كَانَ مُوجِبُ الزِّنَا أَوْ جَلْدًا هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَةَ الشُّهُودِ أَمَّا إذَا عَرَفَهَا يُحَدُّ بِلَا تَعْدِيلٍ وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكِّي وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمَهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّ بِعِلْمِهِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ إهْدَارُ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ إلَى الْمُعَدِّلِ بِكِتَابٍ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَحِلَاهُمْ وَمَحَالُّهُمْ وَسُوقُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعَدِّلُ ذَلِكَ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِ مَنْ كَانَ عَدْلًا عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَلَا يُكْتَبُ تَحْتَهُ شَيْءٌ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ اهـ
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ اهـ وَلَفْظُ الْمُحِيطِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ وَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَالْإِسْمَاعِ لِلْحُرْمَةِ اهـ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يُسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ