للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّأْدِيبُ وَالتَّثْقِيفُ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُخَاطَبٍ شَرْعًا وَهُوَ كَتَأْدِيبِ الدَّوَابِّ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَالتَّقَدُّمُ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ فِي وِلَايَةِ الْحُدُودِ كَالْقَرِيبِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ مَالِيَّتَهُ لَا غَيْرُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ دُونَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّسْبِيبُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ لَا الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ قَتَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا وَنَادَى الْأَمِيرُ فِي النَّاسِ وَالْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَالنِّدَاءِ غَيْرُهُ

وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّسْبِيبِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَاطَبَ الْمَوَالِيَ كُلَّهُمْ بِذَلِكَ وَكُلُّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْمُبَاشَرَةَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمَوَالِي بِأَنْ يُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَنَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ سَبْعَةٌ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزَوُّجُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَوْنُهُمَا مُحْصَنَيْنِ حَالَةَ الدُّخُولِ أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَيْسَا بِمُكَلَّفَيْنِ وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: ٢٥] أَيْ الْحَرَائِرَ وَلِأَنَّهَا مُمَكَّنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُغْنِي عَنْ الزِّنَا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَلِأَنَّهُ يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ إذْ الْكَافِرَةُ لَا تُحْصِنُهُ وَيُمْكِنُهُ مِنْ اعْتِقَادِ الْحُرْمَةِ أَوْ يُؤَكِّدُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ وَصَارَ مَنْسُوخًا بِهَا ثُمَّ نُسِخَ الْجَلْدُ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] أَيْ الْمَنْكُوحَاتِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: ٢٥] أَيْ تَزَوَّجْنَ وَلِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا الدُّخُولُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» الْحَدِيثَ وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ بِإِصَابَةِ الْحَلَالِ تَنْكَسِرُ شَهْوَتُهُ وَيَشْبَعُ فَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزِّنَا وَالْمُعْتَبَرُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ فَلِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِهِ تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ وَقَلَّمَا يُرْغَبُ فِي الصَّغِيرَةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ وَفِي الْكَافِرَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ أَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ إلَخْ) قَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُنَا يَدْخُلُ بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَةَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ وَكَذَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْمِ هِيَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ أَوْ هُوَ هَيْئَةٌ يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهَا فَهِيَ أَجْزَاءُ عِلَّتِهِ وَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ وَالْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُسَمَّى بِالْإِحْصَانِ وَالشَّرْطُ يَثْبُتُ سَمْعًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ اهـ

(قَوْلُهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّكْلِيفُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي خَطِّهِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ) أَيْ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ الرَّابِعُ الْإِسْلَامُ الْخَامِسُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ السَّادِسُ الدُّخُولُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطْءُ السَّابِعُ إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ اهـ وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الزِّنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ جَمِيعًا لَكِنْ لِلرَّجْمِ شَرَائِطُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ يَجِبُ الرَّجْمُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْجَلْدُ

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخُولَ آخِرُ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الدُّخُولُ أَوَّلًا ثُمَّ وُجِدَ سَائِرُ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ بَعْدَهَا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَنَى الرَّجُلُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا وَلَمْ تَكْمُلْ شَرَائِطُ إحْصَانِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكْمُلُ الْإِحْصَانُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا ثُمَّ إذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ وَيُمْكِنُهُ) أَيْ الْإِسْلَامُ يُمْكِنُ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الْإِحْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ الثَّيِّبَ الْحُرَّ إذَا زَنَى عِنْدَنَا يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ وَعِنْدَهُمَا يُرْجَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) أَيْ ثُمَّ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ وَكَذَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا أَيْضًا بِالْجِمَاعِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>