للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ عَنْ الْأَصْلِ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى وَهِيَ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ وَلَا يَثْبُتُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمِلْكِ أَوْ الْحَقِّ فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْفِرَاشِ وَالْفِرَاشُ أَوْ شُبْهَتُهُ تُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا

وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الثَّانِي فَتَمَحَّضَ زِنًا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَعَنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ) يَعْنِي وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا بُسُوطَةَ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ عَادَةً فَلَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْهُمْ حَيْثُ لَا تُقْطَعُ بِهَا يَدُهُ لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِرْزُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْمَحَارِمَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا هُنَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ وَيُدْرَأُ بِالْحِلِّ أَوْ بِشُبْهَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَتَبَيَّنْ لَك هَذَا الْمَعْنَى فِي الضَّيْفِ فَإِنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُضِيفِ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَإِنْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ بَلْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ أَيْ يُحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لِأَنَّهُ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَا تُشْتَبَهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَقَدْ يَنَامُ فِي فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ وَالْمَعَارِفِ وَالْجِيرَانِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ يَعْرِفُهَا بِالْجَسِّ وَالنَّفَسِ وَالرَّائِحَةِ وَالصَّوْتِ فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ التَّفَحُّصِ عَنْهَا إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ فَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْإِخْبَارُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ امْرَأَتِهِ فَوَاقَعَهَا لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا امْرَأَتُك وَلَا أَنَا فُلَانَةُ يُحَدُّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ وَلَوْ أَكْرَهَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ مَعَ الْقَطْعِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

- رَحِمَهُ اللَّهُ -

قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِزَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَلَدُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحِلُّ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا لَا لِلشُّبْهَةِ بَلْ لِلْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ) أَيْ لِلْعُقُوبَاتِ لِكَوْنِهَا مَرْفُوعَةَ الْقَلَمِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِيمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقِيلَ هِيَ امْرَأَتُهُ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَهَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مَعَ أَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ زِنًا لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَهُوَ الْحَقُّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ) أَيْ لَمْ يَخْلُصْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاطِئِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَكَانَ الْمَحِلُّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ هُنَا لَا فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ الِانْبِسَاطِ فَلَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذَا لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلْكُ لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَدَّ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عُرِفَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ

ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ اهـ (قَوْلُهُ سِوَى الْوِلَادِ) أَيْ كَالْخَالِ وَالْخَالَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ الْكَمَالُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَاسُوهَا عَلَى الْمَزْفُوفَةِ بِجَامِعِ ظَنِّ الْحِلِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا شُبْهَةَ هُنَا أَصْلًا سِوَى أَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ وَمُجَرَّدُ وُجُودِ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْحِلِّ لِيَسْتَنِدَ الظَّنُّ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ مِنْ حَبَائِبِهَا الزَّائِرَاتِ وَقَرَابَاتِهَا فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى مَا يَصْلُحُ دَلِيلَ حِلٍّ فَكَانَ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْخِدْمَةِ وَالْمُودَعَةَ حَلَالًا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اهـ

(قَوْلُهُ فُلَانَةَ يُحَدُّ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ مُتَوَسِّطًا فِي اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ إلَى أَنَّهَا هِيَ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>