بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَوْ السَّارِقِ لَوْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا كَانَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ أَوْ الْأَمِينِ أَوْ الضَّمِينِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا إذْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ فَلَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وَلِرَبِّ السَّرِقَةِ الْقَطْعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ إذْ هِيَ تَصِحُّ بِالْمِلْكِ أَوْ الْأَمَانَةِ أَوْ الضَّمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) أَمَّا إذَا رَدَّهُ السَّارِقُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ فَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ ثُبُوتَهُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الْمَسْرُوقِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ وَحَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هُنَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا أَرَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ قُلْنَا بَعْدَ التَّرَافُعِ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ وَانْتَهَتْ بِالرَّدِّ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَتَكُونُ مَوْجُودَةً حُكْمًا وَتَقْرِيرًا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ.
وَكَذَا إذَا رَدَّهَا بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كَرَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ لِوُجُودِ الْوُصُولِ إلَيْهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَقَبَضَ يَبْرَأُ الْمَدِينُ بِقَبْضِهِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهِرَةً أَوْ عَبْدَهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ وَالِدَتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ وَشُبْهَةُ الرَّدِّ كَالرَّدِّ وَلَوْ دَفَعَ إلَى عِيَالِ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبٍ وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ رَقَبَةً وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ أَيْدِيهمْ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ السَّارِقُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَقَدْ اعْتَرَضَ مَا يُوجِبُ فَقَدْ شَرَطَهُ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِمْضَاءُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ) أَرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي نُسَخ الْيَمَنِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ سَرِقَةِ الْأَصْلِ إذَا سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ رَجُلٌ وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ فَالْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ قُطِعَ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى الثَّانِي ثُمَّ قَالَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إنْ قَطَعْت يَدَ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ أَقْطَعْ يَدَ السَّارِقِ الثَّانِي وَإِنْ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ لِشُبْهَةٍ قَطَعْت يَدَ الثَّانِي وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِهِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ قُطِعَ الْأَوَّلُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي لِارْتِفَاعِ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ فَكَانَتْ سَرِقَةُ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ الْأَوَّلُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وِلَايَةٌ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الِاسْتِرْدَادِ) أَيْ مِنْ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهَا) أَيْ فَيَكُونُ الِاسْتِرْدَادُ لِلْمَالِكِ أَمَّا إذَا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ ثُمَّ سَرَقَ الثَّانِي فَلَا رِوَايَةَ فِي الِاسْتِرْدَادِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّ يَدَهُ ضَمَانٌ كَالْغَاصِبِ فَيَسْتَرِدَّ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الضَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إمَّا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ ضَمَانٍ فَلِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ بِالْقَطْعِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذْ رَدَّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْخُصُومَةِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْخُصُومَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْخُصُومَةُ بِرَدِّ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي ضِمْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقْطَعُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى مَالِكِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَلَا يَكُونُ فَائِدَةً فِي رَدِّ السَّارِقِ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ إلَخْ) أَمَّا الْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالرَّدِّ إلَى هَؤُلَاءِ وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ) أَيْ فَالْمَلِكُ الْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا لَمْ يَمْضِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فَلَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت بَلْ بِالِاسْتِيفَاءِ جَلْدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute