كَتَغَيُّرِ أَوْصَافِ الشُّهُودِ بِالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ رَدِّهِ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ الْخُصُومَةَ فَيُتِمُّهَا لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا.
وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَيُضَادُّ مَقْصُودَهَا إذْ لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ لِيَمْلِكَ وَإِنَّمَا يُخَاصِمُ لِيَسْتَرِدَّ فَيَقْطَعُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَلِيلِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْعَارِضِ فِي إيرَاثِ الْخَلَلِ فِي الظُّهُورِ أَوْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ تُوجِبُ مِلْكًا حَادِثًا فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ كَالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْوَجْهَ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلَا نُعِيدُهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ زَنَى بِهَا يُحَدُّ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَارِضَ كَالْعَدَمِ لِمَا حُدَّ قُلْنَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهُوَ مُتَلَاشٍ وَالْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهُوَ بَاقٍ
وَأَمَّا إذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكَهُ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ عَنْ النِّصَابِ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْقَطْعِ لَا مِنْ حَيْثُ نُقْصَانِ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ سُرِقَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَيَوْمَ الْقَطْعِ أَقَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النِّصَابَ تَمَّ عِنْدَ الْأَخْذِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فَنُقْصَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا شَرَطَ قِيَامَهُ عِنْد الْإِمْضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى السَّارِقِ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا وَنُقْصَانُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَوْ أَقَرَّا بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) أَيْ لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقُ مَالِي لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَوَاءٌ ادَّعَى قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّرِكَةِ وَبَطَلَ الْحَدُّ عَنْ أَحَدِهِمَا بِرُجُوعِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ السَّرِقَةَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا فَكَانَ رُجُوعًا فِي حَقِّهِ وَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ لِاتِّحَادِ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ يُنْكِرُ حَيْثُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَثْبُتُ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ وَقَدْ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يَثْبُتُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ بِإِنْكَارِ الْآخَرِ صَارَ فِعْلُهُ كَالْعَدَمِ وَعَدَمُ فِعْلِهِ لَا يُخِلُّ بِالْمَوْجُودِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ فُلَانًا وَقَالَ الْآخَرُ مَا قَتَلْت يُقَادُ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ، وَكَقَوْلِهِ زَنَيْت أَنَا وَفُلَانٌ بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حُدَّ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) أَيْ الْحَاضِرُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْحَاضِرِ تَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَادَّعَى كَانَ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ الدَّعْوَى شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعًا فَلَا جَرَمَ كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ ثَمَّةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ السَّارِقَ لَوْ قُطِعَ بَعْدَ الْمِلْكِ قُطِعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قَضَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ يَعْنِي إلَى السَّارِقِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ سَرَقَ سَرِقَةً فَقَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ ثُمَّ وَهَبَ رَبُّ السَّرِقَةِ السَّرِقَةَ إلَى السَّارِقِ قَالَ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَطْعَ قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السَّارِقُ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَمَعْنَاهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَسْرِقْ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ) أَيْ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا مِنْ السُّرَّاقِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ كَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا يَسْرِقُونَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَقْت الِاسْتِيفَاءِ وَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا) أَيْ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ثُمَّ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ. اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ أَيْ الْحَاضِرِ) ثُمَّ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ لَمْ يُقْطَعْ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى حَتَّى تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُقْطَعُ لِأَنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهَا قَامَتْ بِغَيْرِ خَصْمٍ إذْ الْحَاضِرُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ إمَّا لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْخُصُومَةِ فِي الْحُدُودِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ عَلَى الْحَاضِرِ ثُبُوتُهَا عَلَى الْغَائِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ بَاقِي الْأَئِمَّةِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ إلَخْ) قَالَ