قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مُكَاتَبًا وَكَانَ الْمَال الْمَسْرُوقُ مُسْتَهْلَكًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيَدْفَعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَالِ أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَطْعِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ قُلْنَا صِحَّةُ إقْرَارِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ أَقَرَّ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ.
فَكَذَا هَذَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْغَصْبِ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْطَعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلِكِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تَسْمَعَ الْخُصُومَةَ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِدُونِ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ دُونَ عَكْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي التَّبَعِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْمُسْتَهْلِكِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لِيَرُدَّ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَطْعِ فَيَصِحُّ وَعَلَى الْمَوْلَى بِالْمَالِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَصِحُّ وَالْقَطْعُ قَدْ يَجِبُ بِدُونِ الْمَالِ كَمَا إذَا قَالَ الثَّوْبُ الَّذِي مَعَ عَمْرٍو سَرَقْته مِنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُصَدِّقُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الثَّوْبِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَال مُسْتَهَلّك وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لَكَوَّنَهُ آدَمِيًّا وَصِحَّته لِعَدَمِ التُّهْمَة فَيَصِحّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَار يُلَاقِي حَالَة الْبَقَاء وَالْمَال فِيهَا تَابِع لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُط عِصْمَة الْمَال بِاعْتِبَارِ الْقَطْع وَيَسْتَوْفِي الْقَطْع بَعْد هَلَاك الْمَال بِخِلَافِ مَسْأَلَة الْحُرّ لِأَنَّ الْقَطْع يَجِب بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُوَدِّع وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِمَالِ مَوْلَاهُ أَبَدًا فَحَاصِل هَذَا الْخِلَاف رَاجَعَ إلَى أَنَّ الْمَال أَصْل أَوْ الْقَطْع أَوْ كِلَاهُمَا فَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَطْع هُوَ الْأَصْل وَالْمَال تَبِعْ وَعِنْد مُحَمَّدٍ الْمَال هُوَ الْأَصْل هُوَ فَلَا يَثْبُت الْقَطْع بِدُونِهِ وَعِنْد أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا أَصْلٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة مَرْوِيَّة عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْله الْأَوَّل أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ نَظِير أَقْوَاله فِي الْحَمْلَانِ فَعُدْت مِنْ مَنَاقِبه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتُرَدُّ الْعَيْنُ لَوْ قَائِمًا) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَكَانَتْ السَّرِقَةُ قَائِمَةً فِي يَدِهِ تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْتِي بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَحْظُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَا يُنَافِي الْقَطْعَ وَكَذَلِكَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا يُفْتِي بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالدِّيَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْعَقَدَ وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ لِعَارِضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْفَتْوَى وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّارِقُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْكَمَالُ حَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إمَّا مَأْذُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ فَالْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ هَالِكَةٍ يُقْطَعُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنَّ يَضْمَنُ الْمَالَ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ قُطِعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَرُدُّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يَرُدُّ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذِهِ أَعْنِي فِي إقْرَارِ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِلْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا أَكْذَبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ اتِّفَاقًا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا وَالْمَالُ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ) أَيْ حَيْثُ يُقْطَعُ فِيهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ شَقَّ مَا سُرِقَ إلَخْ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute