للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبَ مَالٍ يَضْمَنُ وَإِلَّا نُظِرَا لِلْجَانِبَيْنِ قُلْنَا الْمَضْمُونُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ فَأُقَاد وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارُ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ سَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا كَالْحَدِّ مَعَ الْعُقْرِ وَعِنْدَهُ يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اخْتَلَفَا مَحَلًّا وَمُسْتَحَقًّا وَسَبَبًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ الْيَدُ وَمُسْتَحِقُّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُهُ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ الذِّمَّةُ وَمُسْتَحِقُّهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَسَبَبُهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدِّيَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَكَالْقِيمَةِ مَعَ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَامِ وَكَإِيجَابِ الْقِيمَةِ مَعَ الْحَدِّ فِي شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ.

وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ لَوْ ضَمَّنَاهُ يَنْتَفِي وُجُوبُ الْقَطْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عَلَى أَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا وَلِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ إلَّا بِجِنَايَةٍ وَاقِعَةٍ عَلَى حَقِّهِ خَالِصًا بِلَا شُبْهَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ فَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَقِيَ لَهُ حَقٌّ لَكَانَ مُبَاحًا لِذَاتِهِ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ لِحَقِّ مَالِكِهِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ حَرَامًا حَقًّا لِلشَّرْعِ فَقَطْ كَالزِّنَا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِصْمَةَ وَهِيَ كَوْنُهُ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ حَتَّى يَضْمَنَهُ بِالْإِتْلَافِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا فِي حَقِّ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّهِ.

وَكَذَا الشُّبْهَةُ الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ السَّرِقَةُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّنَا جَعْلُهُ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لَأَدَّى إلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ وَكَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّهِ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ مَالٌ مَعْصُومٌ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ فَانْتَفَى الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا لَا يَجِبُ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَنَافِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هُنَا سَبَبَيْنِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سَرِقَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ لَا غَيْرُ فَلَا يَجِبُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَالْقِصَاصِ مَعَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْجَزَاءِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَعْصُومًا مَمْلُوكًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَوْ صَيْدَ نَفْسِهِ أَوْ شَرِبَ خَمْرَ نَفْسِهِ أَوْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ تَجِبُ هَذِهِ الْأَجْزِيَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ بَدَلًا عَنْهُ فَتَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ مَتَى انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قُلْتُمْ قَبْلَ السَّرِقَةِ فَفِيهِ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْدَ السَّرِقَةِ فَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ السَّبَبَ صَادَفَ مَحَلًّا مُحْتَرَمًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَإِنْ قُلْتُمْ مَعَ السَّرِقَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقْتَ الْوُجُودِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يُوجَدُ حُكْمُهَا.

قُلْنَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ قُبَيْلَ السَّرِقَةِ مُتَّصِلًا بِالسَّرِقَةِ لِتَنْعَقِدَ السَّرِقَةُ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ وَيَجُوزُ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ شَرْطَ صِحَّةِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَعْتَقْت يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضًى لِلْعِتْقِ سَابِقًا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ إذَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَبْقَ حَقُّ الْمَالِكِ فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ خُصُومَتُهُ قُلْنَا مَا شَرَطَ الْمَالِكُ لِذَاتِهِ بَلْ لِإِظْهَارِ السَّرِقَةِ وَلِيَتَمَكَّنَ الْإِمَامُ مِنْ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ مِنْ غَيْرِ مَالِك اكْتَفَى بِهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا فِي الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُسْقِطَ لِلضَّمَانِ الْقَطْعُ وَهُوَ حَصَلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْكَمَالُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارَ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>