للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَاضِرِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَتِهِ وَإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقْطَعُ لَهُ خَاصَّةً إذْ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً عَلَى حَالِهَا وَلِهَذَا لَوْ حَضَرُوا وَادَّعَوْا السَّرِقَةَ لَمْ يَأْخُذُوهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّرِقَةِ وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُ لِكُلٍّ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنِيَّ الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِيُعْلَمَ لَا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ إذْ هُوَ بِالْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بَلْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى كَانَ لِلْكُلِّ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَتُشْتَرَطُ الْخُصُومَةُ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَّحِدٌ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ قِيلَ الْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِيَصِيرَ الْخَصْمُ بَاذِلًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يَصِحُّ الْبَذْلُ مِنْ وَاحِدٍ عَنْ الْكُلِّ قُلْنَا بَذْلُ الْمَالِ بِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَوْفِيه الْحَاكِمُ بِخُصُومَةِ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْبَذْلَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا ثُمَّ قُطِعَ لِأَجْلِ نِصَابٍ وَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَوْ شَقَّ مَا سَرَقَ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْرِقَ ثَوْبًا وَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَعْدَ الشَّقِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَالْأَخْذِ نَفْسِهِ وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ وِتْرِك الثَّوْبِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ) أَيْ فَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَاجْتَمَعَ قَطْعٌ وَضَمَانٌ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ عَنْ السَّرِقَاتِ كُلِّهَا فَيَبْطُلُ ضَمَانُ كُلُّهَا كَمَا لَوْ خَاصَمُوا جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَ تَقَدُّمِ أَسْبَابِهِ يَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَدَمِ رُجْحَانِ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ وَكُلُّ السَّرِقَاتِ ثَابِتَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَطْعُ يُسْتَوْفَى حَقًّا لَهُ وَلَا يَجِبُ بِالسَّرِقَاتِ إلَّا قَطْعٌ وَاحِدٌ لِلتَّدَاخُلِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِي لَا عِلْمَ لَهُ بِسَائِرِ السَّرِقَاتِ فَظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا ثَبَتَ الْبَاقِي فِي السَّرِقَاتِ بِالْبَيِّنَاتِ بِأَنَّ لَهُ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَالْخُصُومَةِ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لَا لِوُجُوبِهَا فَإِذَا خَاصَمَ الْوَاحِدُ وَأَثْبَتَ وَضَحَ التَّكْلِيفُ لِلْقَاضِي بِالْقَطْعِ وَالْمُسْتَوْفِي يَصْلُحُ لِلْكُلِّ وَالْكُلُّ وَاجِبٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَى الْكُلِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ اتِّفَاقًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَوْجَبْتُمْ مَعَ الْقَطْعِ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ قُلْنَا إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ وَبَدَلِ الْمَحَلِّ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إذْ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِالْخَرْقِ وَالْخَرْقُ لَيْسَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَضَمَانِ الشَّقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فَاتَ عَنْ الشَّقِّ صَارَ هَالِكًا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَالْقَطْعُ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ وَلَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَكَذَا هُنَا عِصْمَةُ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ.

وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ هُنَا بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَنْ سَرَقَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا نَقَصَ قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ ثَابِتٌ قَبْلَ السَّرِقَةِ ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ كَانَ الْمَسْرُوقُ هُوَ النَّاقِصُ فَالْقَطْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَسْرُوقِ النَّاقِصِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ إيَّاهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّين قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ أَمَّا الْقَطْعُ فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَأَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ فَلِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعَيُّبُ الَّذِي وُجِدَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي بِهِ تَتِمُّ السَّرِقَةُ وَوُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعِ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْنَعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ وَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاحِثِ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ إلَخْ فَغَلَطٌ لِأَنَّ عِنْدَ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ مَا كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الْمُخْرَجِ فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي مَلَكَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>