الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعُ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ فَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَذَكَرَ الْخَبَّازِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ هَذَا الثَّوْبِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَا ضَمِنَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ فَقِيلَ إنْ أَوْجَبَ الْخَرْقُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي لِثَوْبٍ مَا فَهُوَ فَاحِشٌ وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَمَا فَوْقَهُ اسْتِهْلَاكٌ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْخِيَارُ يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا وَإِذَا كَانَ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَيَمْلِكُ السَّارِقُ الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَخْرَجَهَا لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ لَوْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَدْرَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْغَصْبِ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ هَلْ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةً أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ عِنْدَهُ لَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَرُدُّ وَلَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَلَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الصَّبْغِ عَنْ الْقَطْعِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَرَقَ الثَّوْبَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَلَهُمَا أَنَّ صَبْغَ السَّارِقِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقَّ بِالتَّرْجِيحِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا صَبَغَهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ السَّارِقُ مِنْ حِينِ سُرِقَ فَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ قُلْنَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِالضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ السَّرِقَةِ وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَهَا وَحِينَ وَرَدَتْ السَّرِقَةُ وَرَدَتْ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَمْلُوكُ لَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَذْبُوحَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِيهِ) أَيْ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا) أَيْ وَهَلْ يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا يُذْكَرُ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ) أَيْ إذَا غَصَبَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَضَرَبَهَا دَارَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ مُبَدِّلَةٌ لِلْعَيْنِ كَالصَّنْعَةِ فِي الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ بِأَنْ غَصَبَ حَدِيدًا أَوْ صُفْرًا فَجَعَلَهُ سَيْفًا أَوْ آنِيَةً وَكَذَا الِاسْمُ كَانَ تِبْرًا ذَهَبًا فِضَّةً صَارَ دَرَاهِمَ دَنَانِيرَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ تَقَوَّمَتْ وَبَدَّلَتْ الِاسْمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مَوْجُودَةً شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا حُكْمُ الرِّبَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ آنِيَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ فِضَّةٌ بِأَحَدَ عَشَرَ فِضَّةً وَقَلْبُهُ فَكَانَتْ الْعَيْنُ كَمَا كَانَتْ حُكْمًا فَيُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ لِلْمَالِكِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَهُوَ اسْمُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَإِنَّمَا حَدَثَ اسْمٌ آخَرُ مَعَ ذَلِكَ الِاسْمِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ) أَيْ بِمَا حَدَثَ مِنْ الصَّنْعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَخَذَ وَزْنًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ) أَيْ فَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ ثُمَّ قُطِعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ قَالَ الشَّهِيدُ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ يُقْطَعُ بِهِ قَالَ الْكَمَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ (قَوْلُهُ قَائِمٌ صُورَةً) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْله وَمَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ السَّارِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ) أَيْ فِي الرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ) قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّوْبَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلسَّارِقِ مِنْ حِينِ صَبْغِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ السَّرِقَةِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ لِوَصْفِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهُ مَعْنًى بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَطْعِ وَمَعَ هَذَا لِلْقِيلِ وَالْقَالِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ السَّارِقَ حِينَ قُطِعَ وَالثَّوْبُ مَصْبُوغٌ أَوْ بَقِيَ الثَّوْبُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَالصَّبْغُ مِلْكُ السَّارِقِ فَيَكُونُ قَدْ قُطِعَ فِي شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لَكِنَّهُ جَعَلَ الثَّوْبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ حَتَّى جَازَ الْقَطْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute