للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَا، كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩] وَقَالَ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: ٤١] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ فَرْضٌ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ.

وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ قَتْلٌ وَإِفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ الْعِبَادِ فَإِذَا حَصَلَ مِنْ الْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى الْبَعْضُ الْجِهَادَ وَالْبَعْضُ التِّجَارَةَ وَالْحَرْثَ وَالْحِرَفَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ وَالتَّقْوِيَةُ فَوَجَبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] وَعَدَ الْقَاعِدَ الْحُسْنَى وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَذُمَّ وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ يَغْزُو بَعْضُهُمْ وَيَقْعُدُ الْبَعْضُ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا قَعَدُوا وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجِهَادِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ١٠٦] ثُمَّ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥].

ثُمَّ بِالْبِدَايَةِ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَفِي الْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّائِفَ لِعَشْرٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَاصَرَةُ نَوْعٌ مِنْ الْقِتَالِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ كَفَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: ٦١] الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ حِينَ اهْتَمُّوا بِالْخُرُوجِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخَلُّفِ وَلِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ فَلَا يُؤْتَى بِهِ إلَى الْمَهْلَكَةِ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مَشْغُولَانِ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِمَا وَغِنَى الشَّرْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمْ كِفَايَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِمَا وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ وَفِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يَخْرُجُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَكَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُنَا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَنَا عُمُومُ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] أَيْ وَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] وقَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: ١٩٣] وقَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: ١٢] اهـ.

(قَوْلُهُ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) التِّلَاوَةُ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي جَعْلِهِ فَرْضُ عَيْنٍ حَرَجًا عَظِيمًا حَيْثُ تَتَعَطَّلُ أُمُورُ النَّاسِ زِرَاعَةً وَتِجَارَةً إذَا خَرَجُوا جَمِيعًا إلَى الْجِهَادِ وَالْحَرَجُ مُنْتَفٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] اهـ (قَوْلُهُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩] وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَصَارَتْ حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْإِيضَاحِ وَحُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: ٨٩]. اهـ. دِرَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ دِيوَانِ الْأَدَبِ الْمُقْعَدُ الْأَعْرَجُ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مِنْ بَابِ طَلَبَ يُقَالُ هَجَمَ عَلَيْهِ حَمَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنَّ رَقَّمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ وَهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَاهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةٌ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ وَجَدَّتَانِ فَإِنْ أَذِنَ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ أَبَا الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَبَوَانِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ فَكَذَا هُنَا هَذَا إذَا كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>