للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «انْطَلَقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومَ الدَّمِ لِيُمْكِنَهُ تَحَمُّلَ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ عَارِضٌ بِحِرَابِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْحِرَابُ فَبَقُوا عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ الْيُمْنَى وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى لِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُ جَزَاءُ الْكُفْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ. قُلْنَا الدُّنْيَا دَارُ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَتْ بِدَارِ الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِي مُقَارَفَةِ بَعْضِ الْجِنَايَاتِ فِي الدُّنْيَا لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ لِأَنَّ السُّفَهَاءَ لَا يَنْتَهُونَ بِمُجَرَّدِ الْوَعِيدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَإِزَالَةَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَكَانَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ ابْنُ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَهُوَ أَعْمَى فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ

لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ

فَقَتْلُ شُيُوخِهِمْ أَوْلَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ كَانَ مَلِكًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَا دَامَ يُقَاتِلُ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ إذَا كَانَ قَدْ قَاتَلَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ فَيُقْتَلُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَلَيْسَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا لَا فنائه قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ بَلْ يَمْتَنِعُ عَنْهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَنْظَلَةَ حِين اسْتَأْذَنَهُ لِقَتْلِ أَبِيهِ دَعْهُ يَقْتُلُهُ غَيْرُك» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ عَنْ نَفْسِهِ وَإِيثَارٌ لِحَيَاتِهِ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ بِالْقَتْلِ إذَا قَصَدَ الْأَبَ قَتْلَهُ فَالْكَافِرُ أَوْلَى وَكَذَا لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ حَيَاتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَلِلِابْنِ أَنْ يَشْرَبَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا وَلِهَذَا يُحْبَسُ الْأَبُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ دُونَ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ قَصَدَ إتْلَافَهُ فَكَانَ الْحَبْسُ فِيهِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَمَعَ هَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَقَدْ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ مَالِكٍ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيت أَبِي فِي الْعَدُوِّ فَسَمِعْت مِنْهُ مَقَالَةً لَك فَقَتَلْته فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ وَأَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ مِنْ قَبْلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَأَبَوَيْهِ حَتَّى لَا يَبْتَدِئَهُمْ بِالْقَتْلِ وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُ أَخِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْأُصُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ أَخِيهِ الْبَاغِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ ابْنِهِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الْمُحَارِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَيُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ إنْ خُيِّرَا) أَيْ يُصَالِحُ الْإِمَامُ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] أَيْ مَالُوا لِلصُّلْحِ. وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمُوَاطَأَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِهَادِ دَفْعُ الشَّرِّ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ فِيهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَيْخٍ فَانٍ) فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَاحِ بِقَتْلٍ لِأَنَّهُ بِصِيَاحِهِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْبَاءٌ) الْعِبْءُ بِالْكَسْرِ الْحِمْلُ وَالْجَمْعُ الْأَعْبَاءُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ) وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَإِذَا خَالَطُوا يُقْتَلُونَ كَالْقِسِّيسِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ إنْ دَلَّ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ) أَيْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانُوا اسْتَحْضَرُوهُ لِيُدَبِّرَ لَهُمْ. اهـ. كَيْ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَوْمَ أَوْطَاسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ

لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ

فَقَتْلُ صِبْيَانِهِمْ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مِلْكًا) أَيْ الصَّغِيرُ لَلْكُفَّارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَفِي السَّيْرِ الْكَبِيرِ الْمُرَادُ الْأَبَوَانِ الْمُشْرِكَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} [لقمان: ١٥] اهـ كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِيَأْبَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا) رَجُلٌ وَابْنُهُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا مَنْ أَحَقُّ بِالْمَاءِ فَالِابْنُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ أَحَقُّ لَكَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَسْقِيَ أَبَاهُ وَمَتَى سَقَى أَبَاهُ مَاتَ مِنْ الْعَطَشِ فَيَكُونُ هَذَا إعَانَةً عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ شَرِبَ هُوَ لَمْ يُعِنْ الْأَبَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَصَارَ كَرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَخَّرَ قَتْلَ غَيْرِهِ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ إثْمًا. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي الْكَرَاهِيَةِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُصَالِحُهُمْ إلَخْ) تَرْجَمَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ هُنَا بِبَابِ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ اهـ وَقَالَ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَالَحَةُ مُوَادَعَةً لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ وَالْوَدَعُ التَّرْكُ اهـ مِنْ خَطِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>