للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُوَيْرَةَ وَكَانَ فِيهَا نَخْلٌ» حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ حَسَّانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ، بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

وَصَحَّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ النَّخْلَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: ٥]» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ إلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ وَكَبْتِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: ١٢٠].

وَقَوْلُهُ: وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ يَعْنِي نُحَارِبُهُمْ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَنَقْصِدُهُمْ بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يُتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَتَرْكُ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُسْلِمِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ حُصُونَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ لَا تَخْلُو عَنْ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ خَاصٍّ فَكَانَ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَنَا قَتْلُهُمْ كَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَالرُّهْبَانِ وَالشُّيُوخِ وَنَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ بِالنِّيَّةِ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلًا وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَيَجِبُ مُوجِبُهُ وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَلَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ كَتَعْزِيرِ الْإِمَامِ وَحَدِّهِ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفِصَادِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ حَتَّى كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَوْ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سُرِّيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضٍ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَقِيلَ قَارِئُ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ قَلِيلِينَ فَيُخَافُ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ حِينَ كَثُرَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَحْوَطُ وَكَذَا فِيهِ تَعْرِيضُ الْمَرْأَةِ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضَائِحِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا فَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَجَائِزِ لِلْخِدْمَةِ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ وَأَمَّا الشَّوَابُّ مِنْهُنَّ فَقَرَارُهُنَّ فِي الْبَيْتِ أَسْلَمُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُخْرِجُوا النِّسَاءَ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ وَرُبَّمَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فَاشْتَغَلُوا عَنْهُنَّ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الدَّفْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِخْرَاجِ لِلْمُبَاضَعَةِ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ فَإِنَّ حُكْمَ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ أَخَفُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْأَمَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالْخِدْمَةُ يَحْصُلُ بِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَرَائِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا هُوَ الْخِيَانَةُ إلَّا أَنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةٌ، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِثْلُهُ،) لِمَا رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ سِيرُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَعْذِرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْهِيَّةِ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ وَهَذَا حَسَنٌ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَقَتْلِ امْرَأَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ مُسْتَطِيرُ) الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ اهـ (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يَتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ) فَإِنْ قُلْت يَرُدُّ عَلَيْكُمْ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ قُلْت لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ فَيَخُصُّ التَّنَازُعَ بِمَا قُلْنَاهُ اهـ أَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ مُوجِبُهُ) وَلَنَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْمَرْمِيِّ وَلَا خَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ سَدُّ، بَابِ الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ فِيهِ ضَمَانًا يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ) أَيْ بَلْ إذَا صَبَرَ حَتَّى مَاتَ كَانَ مُثَابًا. اهـ. كَيْ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي سَرِيَّةٍ) السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَخَافُ عَلَيْهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهِمَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى وَفِي بَعْضِهَا بِالْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى السَّرِيَّةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَالْمَرْأَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ) فِي الْمُحِيطِ هَذَا بَعْدَ الظُّفْرِ، وَإِعْطَاءِ الْأَمَانِ أَمَّا قَبْلَ الْأَمَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا بِالْمُثْلَةِ قَبْلَ الظُّفْرِ، أَوْ الْأَمَانِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُثْلَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَثَّلْت، بِالْقَتِيلِ مَثَلًا، مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ إذَا جَدَعْته وَظَهَرَ آثَارُ فِعْلِك عَلَيْهِ تَنْكِيلًا، وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةً، وَالْمُثْلَةُ وِزَانُ غَرْفَةٍ، اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَثَّلَ بِهِ مُثْلَةً وَذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ يُسَوِّدَ وَجْهَهُ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>