وَلَهُمَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسْهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَاحِبِ الْأَفْرَاسِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ بِالْإِرْهَابِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا وَالْقِتَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ فَيُسْهَمُ لَهُ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ «حِكَايَةِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَادَ فَرَسَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَرَاذِينُ كَالْعَتَاقِ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ هُوَ السَّبَبُ وَذَلِكَ بِاسْمِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال: ٦٠] وَهُوَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالْهَجِينُ وَالْمُقْرِفُ وَلِأَنَّ الْعَتَاقَ إنْ كَانَ أَقْوَى فِي الْجَرْيِ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَاسْتَوَيَا وَأَهْلُ الشَّامِ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) أَيْ لَا تَكُونُ الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ كَالْعَتَاقِ حَتَّى لَا يُسْهَمَ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْهَابَ لَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْعِبْرَةُ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ وَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَوْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِوُجُودِ الْقِتَالِ مِنْهُ فَارِسًا حَقِيقَةً وَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّقْدِيرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا الْمُجَاوَزَةُ فَوَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ فَلَا تُعْتَبَرُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسُهَا أَقْوَى الْجِهَادِ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِهَا يَلْحَقُهُمْ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ عِنْدَ الدُّخُولِ إلَى شَوْكَةٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالَ الدَّوَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَلِهَذَا يَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ عِنْدَهَا لَا غَيْرُ وَيَقُولُ الْعَدُوُّ كَمْ دَخَلُوا وَالْجِهَادُ يَكُونُ بِالْإِرْهَابِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ وَبِهِ يَسْتَحِقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةَ لَا بِالْقَتْلِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِرْهَابَ وَالْإِرْعَابَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠] وَبِقَوْلِهِ {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: ١٢٠] وَبِهِ تَنْكَسِرُ هِمَّتُهُمْ وَيَنْكَسِرُونَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ عِنْدَهَا وَهُوَ الشَّرْطُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَشْتَرِطْ بَقَاءَ الْفَرَسِ إلَى تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْفَرَسُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَا مَعْنًى لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ لِأَنَّهُ حَالُ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ لِتَهْيِئَةِ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ وَكَذَا الْجُنْدُ فِيمَا أَصَابَتْ السَّرِيَّةُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ صَالِحًا لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِمُهْرٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقِتَالَ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَهْمُ الْفُرْسَانِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى الْقِتَالِ فَارِسًا حَيْثُ دَخَلَ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ صَفِيَّةُ) أَيْ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ) أَيْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَرَاذِينُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْعَتَاقِ) الْعَتَاقُ جَمْعُ عَتِيقٍ وَهُوَ الْجَوَادُ وَالْبِرْذَوْنُ الْعَجَمِيُّ الْخَالِصُ وَالْعِرَابُ خِلَافُ الْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُقْرِفُ الَّذِي أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَمَعْنَى الْفَتْحِ الْإِمَالَةُ وَالْكَسْرُ الْجَانِبُ. اهـ. كَيْ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) وَإِنَّمَا لَمْ يُسْهَمْ لِبَغْلٍ وَلَا لِرَاحِلَةٍ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ لِأَنَّهُ «كَانَ يَكُونَ فِي غَزَوَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ الْجِمَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَلَا يُسْهِمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا» وَلَوْ أَسْهَمَ لَظَهَرَ نَقْلُهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْرَاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ هَلَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَهُوَ تَمَامُ الْقِتَالِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُسْتَحَقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةُ) أَيْ وَلِهَذَا يُشَارِكُ الرِّدْءُ الْمُبَاشِرُ فِي الْغَنِيمَةِ لِحُصُولِ الْإِرْهَابِ بِالْكُلِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ) أَيْ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَهُ عِنْدَ مُخَاطَرَةِ الرَّوْحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ لَا لِتَحْصِيلِ الْمَالِ لِأَنَّ الرُّوحَ تَفُوقُ الْمَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَحَمَلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التِّجَارَةَ وَانْتَظَرَ الْعِزَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْعَاقِلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَخْتَارُ الْمَالَ عَلَى رُوحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ إمَّا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ فَرُبَّمَا يَقْتُلُهُ لِعَدَمِ أَدَبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ) أَيْ عِزَّةَ الْفَرَسِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute