وَأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ الرَّضْخُ لَا السَّهْمُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيَحْذِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ وَقَالَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ سَهْمٌ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَيْضًا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ مِنْ الْغَنَائِمِ دُونَ نَصِيبِ الْجَيْشِ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ وَالْعَبْدُ لَا يُمَكِّنُهُ مَوْلَاهُ وَلَهُ مَنْعُهُ فَلَمْ يَسْتَحِقُّوا السَّهْمَ الْكَامِلَ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهُمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ وَلِلصِّبْيَانِ» فِيمَا رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِح الْمَرْضَى لِعَجْزِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيَكُونُ جِهَادُهَا عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّ فِي الدَّلَالَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْجِهَادِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ فِي الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ فَيُعْطَ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَالْأَجِيرُ لَا يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا لِلْقِتَالِ وَإِنْ تَرَكَ الْخِدْمَةَ وَقَاتَلَ يُسْهَمُ لَهُ فَصَارَ كَأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَا شَيْءَ وَلَا يُجْمَعُ لَهُ أَجْرٌ وَنَصِيبٌ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ) أَيْ يُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِذَوِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ فَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ الصَّدَقَةَ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ «وَأَعْطَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَبَّاسَ وَقَدْ كَانَ غَنِيًّا» وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قِسْمَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ وَفِيمَا رُوِيَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَيَحْذِينَ) قَالَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ كَانَ يَحْذِي النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَحَذِيَّتُهُ لُغَةً اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحَذْيَا الْعَطِيَّةُ وَأَحْذَيْتُهُ أَعْطَيْته (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا) أَيْ يُعْطِيَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ) أَيْ لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ انْحِطَاطًا لِرُتْبَةِ التَّبَعِ عَنْ الْمَتْبُوعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ تَبَعٌ لِلْحُرِّ وَالصَّبِيِّ تَبَعٌ لِلْبَالِغِ وَالذِّمِّيُّ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ وَلِذَا لَا يُمْكِنُ الذِّمِّيُّ مِنْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ) أَمَّا إذَا قَاتَلَ الذِّمِّيُّ لَا يَبْلُغُ بِرَضْخِهِ سَهْمَ الْمُسْلِمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى) أَيْ الْفُقَرَاءِ أَمَّا الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى) الْقُرْبَى الْقَرَابَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَيْتَامَ ذَوِي الْقُرْبَى وَمَسَاكِينَ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لِمَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الِاحْتِيَاجُ غَيْرَ أَنَّ سَبَبَهُ مُخْتَلِفٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكَوْنُهُ ابْنُ السَّبِيلِ وَفِي التُّحْفَةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفُ الْخُمُسِ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا) أَيْ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ) وَفِي الْكَشَّافِ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لِذَوِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ نَحْوِ سَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ يُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلَّهِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْبِهَا وَإِلَى عِمَارَةِ الْجَامِعِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ هِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ هَذِهِ بِقَاعٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَهَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ» وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ فَاسْتَحَقَّهُ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْإِمَامَةِ وَذَوُو الْقُرْبَى بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ كَانَ مَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِهِ فَيَسْتَوِي غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ كَالْإِرْثِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ كَانَ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ قَسَمَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ) أَيْ بَلْ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ إذْ لَا يَظُنُّ بِهِمْ خِلَافُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِيمَا رَوَى) أَيْ الشَّافِعِيُّ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute