مَا أَخَذُوا وَإِلَّا لَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي مَنَعَةٍ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّ الْخُمُسَ وَظِيفَةُ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَنَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَكُونُ أَخْذُهُمْ اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً لَا قَهْرًا وَغَلَبَةً فَلَا يُخَمَّسُ وَإِنْ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ إذْ لَيْسَ فِيهِ وَهْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ حَيْثُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَصْرُهُمْ كَيْ لَا يَلْزَمَ وَهْنُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ) بِقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَبِقَوْلِهِ «لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ» لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: ٦٥] وَحَرَّضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «وَنَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
«وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَنْفُلُ فِي الْبِدَايَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَكَانَ الزِّيَادَةُ فِي الرَّجْعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ يَكِلُّونَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُمُسِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الشَّرْطِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِرُبُعِ الْكُلِّ جَازَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ السَّرِيَّةَ بِالْكُلِّ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ هُنَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَيَدْخُلُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ بَابُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا فَلَا يُتَّهَمُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلْته أَنَا فَلِي سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ بِهِ فَصَارَ مُتَّهَمًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَيَّزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِقَتْلِهِ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَاحًا قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَيَسْتَحِقُّ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ إلَيْهِمْ لِأَنَّ بِنْيَتَهُمْ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ أَوْ هُمْ مُقَاتِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنْفِلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِلْعَسْكَرِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِيهِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ أَوْ إبْطَالُ الْخُمُسِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَيَنْفُلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ فَقَطْ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفُلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ فِي الدَّارِ وَلِهَذَا يُورَثُ مِنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ حَقٌّ فَجَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا تَأَكَّدَ فِي الْخُمُسِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ إبْطَالُهُ كَمَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مَصْرِفٌ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْخُمُسِ فَقِيرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِذَا جَازَ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُقَاتِلٍ فَصَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ مُقَاتِلٍ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَصَرْفَ الْمَالِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَنِيًّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي هَذَا التَّنْفِيلِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يَنْفُلْ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْإِمَامُ رَجُلًا وَاحِدًا طَلِيعَةً مِنْ الْعَسْكَرِ فَأَصَابَ غَنِيمَةً تُخَمَّسُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ لَا مَنَعَةَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ فَأَخْرَجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ وَلَا خُمْسَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ خُمْسَ مَا أَصَابُوا وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِ الْغَنِيمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ صَارَ أَخْذُهُمْ كَأَخْذِ اللِّصِّ وَلَا خُمْسَ فِيهِ لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْخُوذِ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلُوا) أَيْ مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ) وَلَا يُقَالُ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] مُطْلَقٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَمِّسَ وُجِدَ الْإِذْنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَنِيمَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَمَا أَخَذَهُ اللِّصُّ سَرِقَةً وَمَا أَخَذَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ جَهْرًا خِلْسَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْغَنِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ التَّنْفِيلُ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْغَنَائِمِ يُقَالُ نَفَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا إذَا أَعْطَاهُ سَلَبَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ وَنَفَلَ نَفْلًا وَنَفَلَهُ تَنْفِيلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالنَّفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهَا أَنْفَالٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ أَيْ فِي حَالِ الْقِتَالِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ الْقِتَالِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ يَصِحُّ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) أَيْ بَعْدَ رَفْعِ الْخُمُسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرِّضْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا» تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ لِشَجَاعَةِ أُولَئِكَ وَكِفَايَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْفُلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ مِنْ الْغُزَاةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ جَازَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute