أَيْ السَّلْبُ لِجَمِيعِ الْجُنْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَنْفُلْ بِهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِمَا رَوَيْنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَ لَهُ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرُ عَنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] وَهُوَ غَنِيمَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ غَنِيمَةٌ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ إذْ لَوْلَا الْجَيْشُ لَمَا حَصَلَ السَّلَبُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُبَاشَرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ فَيَقْسِمُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَلَوْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَرِيعٌ يَذُبُّ النَّاسِ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَجَعَلْت أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ فَأَصَبْت يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْته فَضَرَبْته حَتَّى قَتَلْته ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَنَفَلَنِي بِسَلَبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ لَمَا صَحَّ التَّنْفِيلُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ جَارِيَةً بِأَنَّ السَّلَبَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ» وَأَرَادَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحْرِيضَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمَّا سَمِعَ الْمَقَالَةَ طَلَبَ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَأَخَذَهُ بَعْدَ مَا كَانَ تَرَكَهُ وَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ سَلَبَ عِشْرِينَ رَجُلًا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ «خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مَنَعَ رَجُلًا سَلَبَ قَتِيلِهِ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَعْطِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُعْطِهِ» وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ
وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ هَذَا مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدٍ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى لَكِنْ اسْتَكْثَرْته وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَاسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَثُرَ وَلَمْ يَنْهَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ خَالِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُلْهُمْ بِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَزِيَادَةُ الْقِتَالِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مُقْبِلًا فَاشْتِرَاطُهُ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ عَلَى فَوْرِهِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ سَلَبَهُ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ فَإِنْ لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ سَلَبِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَازِ تَأَكَّدَ مِلْكُ الْغَانِمِينَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَاتِلُ وَالْغَانِمُونَ فِي مَوْتِهِ فَقَالَ مَاتَ قَبْلَهَا وَقَالُوا هُمْ مَاتَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وَلَوْ أَثْخَنَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِمَنْ أَثْخَنَهُ وَلَوْ مَاتَ فَسَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ وَقَعَ سَلَبُهُ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَأْخُذُهُ الْقَاتِلُ وَلَوْ جَرُّوهُ نَفْسُهُ وَلَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَسَلَبُوهُ فَهُوَ لِلْقَاتِلِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ السَّلَبَ بِالْأَخْذِ فَانْقَطَعَ مِلْكُ الْقَاتِلِ وَإِذَا لَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَهُوَ مَرْكَبُهُ وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ) يَعْنِي السَّلَبَ هُوَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلْعُرْفِ وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلٌ رَاجِلًا وَمَعَ غُلَامِهِ فَرَسٌ قَائِمٌ بِجَنْبِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَكُونُ فَرَسُهُ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهَذَا مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقِتَالِ ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ عَنْهُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا رَجُلٌ وَاسْتَبْرَأَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ السَّلَبَ غَيْرُهُ مِنْ الْغُزَاةِ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّنْفِيلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ إذَا أَخَذَ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتَبْرَأَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَحِقَهُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَارَكُوهُ فَيَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْقَهْرِ وَلَا يَتِمُّ الْقَهْرُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ فِي حَقِّ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ قَاهِرٌ يَدًا مَقْهُورٌ دَارًا فَيَكُونُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ) أَيْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِنَصْبِ الشَّرْعِ إذَا قَالَهُ بِالْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمُوا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحْرِيضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا مَعَهُ) أَيْ لَا عَبْدَهُ وَمَا مَعَهُ وَدَابَّتُهُ وَمَا عَلَيْهَا وَمَا فِي بَيْتِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَقِيبَتُهُ) الْحَقِيبَةُ الْعَجِيزَةُ ثُمَّ سَمَّى مَا يُحْمَلُ مِنْ الْقُمَاشِ عَلَى الْفَرَسِ خَلْفَ الرَّاكِبِ حَقِيبَةً مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَجْزِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا دَارَ الْحَرْبِ فَأَخَذَ جَارِيَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا ثُمَّ يَسْتَبْرِئَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute