الْجِزْيَةَ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ لَا مِنْ وَقْتِ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إذَا رَأَى كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَإِذَا أَقَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ ذِمِّيًّا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا عِنْدَ إقَامَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْإِمَامُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ ثُمَّ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ لَهُ اسْتَأْنَفَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ لِحَوْلٍ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ كُلَّمَا تَمَّتْ السَّنَةُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا مَكَثَ فِي دَارِنَا سَنَةً كَمَا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ بَعْدَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيَّةً لِالْتِزَامِهَا الْمَقَامَ مَعَهُ لَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْمَقَامَ فِي دَارِنَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ طَلَاقِهَا فَلَا يُمْنَعُ إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يُمْنَعُ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ بِعَوْدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَبِتَوَالُدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَطْعِ الْجِزْيَةِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا وَحَكَمَ الشَّرْعُ فِيهَا بِوُجُوبِ الْخَرَاجِ صَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا عَنْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّنَا عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الزِّرَاعَةُ أَوْ تَرْكُ الْأَرْضِ عَلَى مِلْكِهِ إلَى أَوَانِ الْخَرَاجِ فَدَلِيلٌ عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ وَمَنْعِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى إذَا لَزِمَهُ الْخَرَاجُ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا بِلُزُومِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّجُلِ فِي السُّكْنَى حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ وَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِإِقَامَتِهِ فَتَصِيرُ رَاضِيَةً بِالْمَقَامِ مَعَهُ فِي دَارِنَا فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ وَقَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِانْعِكَاسِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِهِ فَعَادَ حَرْبِيًّا وَمَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامُ التَّنَاوُلِ لِأَنَّ حُكْمَ أَمَانِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ لَا يَبْطُلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ تَقْدِيرًا فَتَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُودَعِ لِأَنَّ يَدَهُ فِيهَا أَسْبَقُ فَكَانَ بِهَا أَحَقَّ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ مَالِكِيَّتِهِ إذْ مَمْلُوكِيَّتُهُ بِالْأَسْرِ تُنَافِي مَالِكِيَّتَهُ الدَّيْنَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَمْلُوكًا لَهُ صَارَ مِلْكًا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّ يَدَهُ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا لِأَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الَّذِي يُمْلَكُ قَهْرًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ إنْ أَقَمْتَ طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ وَفِي هَذَا اشْتَرَطَ التَّقَدُّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَا أَنْ يُؤَقِّتَ مُدَّةً قَلِيلَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَهُ عُسْرٌ بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مُعَامَلَاتٌ يَحْتَاجُ فِي اقْتِضَائِهَا إلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِهِمْ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْ أَرْضِهَا وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ قَبْلَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ وَقْتِ وَضْعِ الْخَرَاجِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَيْ وَظَّفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فِي دَارِنَا فَصَارَ فِي ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ عُشْرٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً يَكُونُ ذِمِّيًّا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ وَلَوْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ الْعُشْرِ صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ ذِمِّيًّا إذَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجَ وَهِيَ وَأَرْضُ الْخَرَاجِ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا إلَّا إذَا كَانَتْ أَرْضًا بِالْمُقَاسَمَةِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ فَزَرَعَهَا الْحَرْبِيُّ بِقَدْرِهَا فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِالْخَرَاجِ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ يَكُونُ ذِمِّيًّا فَيُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى مِلْكِ الرَّجُلِ بَلْ إلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ بِالْمُقَاسَمَةِ فَآجَرَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا رَآهُ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانُ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَوُجُوبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ فَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ صَفْعِهِ وَشَتْمِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ظُلْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute