وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِكِهِ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ رَهْنٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُبَاعُ وَيُوَفَّى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ أَوْ مَاتَ فَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمَّا كَانَتْ مَغْنُومَةً تَبِعَهَا مَالُهُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ مُودَعِهِ كَيَدِهِ وَهُنَا نَفْسُهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَا مَالُهُ فَكَأَنَّهُ مَاتَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا فَلَا تَكُونُ يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ قُلْنَا يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْعِصْمَةُ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِمَا أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ عِصْمَةٍ فَلَا تَصِيرُ مَعْصُومَةً بِالشَّكِّ وَفِي هَذِهِ الْعِصْمَةُ كَانَتْ ثَابِتَةً فِيهَا وَقْتَ الْإِيدَاعِ إذْ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارُ عِصْمَةٍ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى دَارِهِمْ فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا مَعْصُومَةً فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَوَلَدٌ) أَيْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ (وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَالْعَقَارُ فَلِمَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَجَاءَنَا) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَقَارُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ لِاتِّحَادِ الدَّارِ وَإِحْرَازِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ فِي حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ إذْ الْإِسْلَامُ حَصَلَ فِيهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي تِلْكَ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ إنَّ الْأَخْذَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ النَّظَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْعَمْدِ الْقَتْلُ أَوْ الدِّيَةُ لَا الْعَفْوُ) أَيْ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا أَوْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَعُدْوَانًا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ اهـ
(قَوْلُهُ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] أَمَّا الزَّوْجَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا فِي يَدِهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعْتَبَرُوا مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِأَبِيهِمْ فَصَارُوا فَيْئًا أَيْضًا وَكَذَا الْجَنِينُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَذَا وَدِيعَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ حِينَ فَارَقَ دَارَ الْحَرْبِ كَانَ الْمَالُ مَالَ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِنَا لَمْ يُحْرِزْهُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْيَدُ عَلَيْهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَقِيَ الْمَالُ غَيْرَ مَعْصُومٍ فَكَانَ فَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ إلَخْ) قُيِّدَ بِالْإِيدَاعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَصْبًا فِي أَيْدِيهِمْ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيْئًا إلَّا مَا كَانَ غَصْبًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ) أَيْ لَا زَوْجَتُهُ، وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ حَرْبِيُّونَ وَكَذَا مَا فِي بَطْنِهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ) أَيْ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ فَكَانَتْ فَيْئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ. هِدَايَةُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَالْمُسْتَأْمَنُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ لِعَدَمِ الْوَارِثِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا أَنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ إذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ أَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَإِذَا كَانَ السُّلْطَانُ وَلِيًّا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الدِّيَةِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قُتِلَ رَأَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُرْمُزَانَ وَفِي يَدِهِ خِنْجَرٌ فَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ عُمَرَ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِعُثْمَانَ اُقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ فَقَالَ عُثْمَانُ قُتِلَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ الْيَوْمَ لَا أَفْعَلُ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّ هُرْمُزَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنَا وَلِيُّهُ فَأَعْفُو عَنْهُ وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ أَنْفَعُ لِلْعَامَّةِ مِنْ الْقَوَدِ وَالْحَقُّ لِلْعَامَّةِ وَالْإِمَامُ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ اصْطِنَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute