للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» أَيْ لَا يُخْصَى إخْصَاءٌ يُقَالُ خَصَاهُ يُخْصِيه خِصَاءً عَلَى فِعَالٍ بِمَعْنَى الْإِخْصَاءِ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ التَّبَتُّلُ وَالْعُزْلَةُ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى فَكَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْكَنِيسَةِ إحْدَاثُهَا أَيْ لَا تُحْدَثُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَنِيسَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَبَيْتُ النَّارِ كَالْكَنِيسَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْكَنَائِسِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَقُومُ الْبِنَاءُ دَائِمًا فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَقَرَّهُمْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالصَّوْمَعَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ كَالْكَنِيسَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ خَارِجَ الْكَنِيسَةِ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالْحُدُودُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ فِيهِ شَعَائِرُهُمْ لِأَنَّ فِي الْقُرَى بَعْضَ الشَّعَائِرِ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُدْخِلُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَالَ «لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ وَالْمَرْكَبِ وَالسَّرْجِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِالسِّلَاحِ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْإِكَافِ) إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَعِيفُ الْيَقِينِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا خِصَاءَ) الْخِصَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ وَالْإِخْصَاءُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمَدُّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ مِنْ بَابِ رَمَاهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَأَرَاضِيهمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ الْقَدِيمَةِ أَيْ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ عَنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْقُرَى فِي قُرَى الْكُوفَةِ لَا قُرَى بِلَادِنَا لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا كَانُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَلَمْ تَكُنْ قُرَاهَا مَوْضِعَ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ لِغَلَبَتِهِمْ فَلَمْ يَرِدْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ بِخِلَافِ قُرَى بِلَادِنَا فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيهَا مَعْدُودُونَ فَمُنِعُوا مِنْ الْإِحْدَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَرَادُوا إحْدَاثَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي الْأَمْصَارِ يُمْنَعُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي السَّوَادِ ذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ وَفِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُمْنَعُ وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَمَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُمْنَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ مِنْ شَرْحِ الْإِجَارَاتِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ وَذَكَرَ هُوَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ قَرْيَةً غَالِبُ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَهَلْ تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ فِي السَّوَادِ؟ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا لَا، أَمَّا فِي الْأَمْصَارِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ لَا تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ بَلْ تُتْرَكُ وَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهَا تُهْدَمُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْوَاقِعَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا بَيْتُ نَارٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَا تُحْدَثُ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَا تُقَرُّ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهَا إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ دَارَ سُكْنَى وَلَا تُبَاعُ بِهَا خَمْرٌ وَلَا فِي قَرْيَةٍ مِنْهَا وَلَا فِي مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا) بِخِلَافِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ اتِّخَاذِهَا مَا نَصُّهُ أَيْ أَرْضِ الْعَرَبِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَسْكَنًا مَا نَصُّهُ أَيْ وَوَطَنًا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالزِّيُّ بِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَأَصْلُهُ زِوْيٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا) أَيْ فَرُبَّمَا يَمْرُقُونَ بِجَهْلِهِمْ فَيَقُولُونَ الْكُفَّارُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَّا فَإِنَّهُمْ فِي خَفْضِ عَيْشٍ وَنِعْمَةٍ وَنَحْنُ فِي كَدٍّ وَتَعَبٍ. اهـ. فَتْحٌ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ كَيْ لَا يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِذْ وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَغَارٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>