للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَدَعَاهُمْ إلَى التَّوْبَةِ وَنَاظَرَهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ تُرْجَى تَوْبَتُهُمْ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥] وَهُوَ أَهْوَنُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا لِمَاذَا يُقَاتِلُونَ فَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَلِهَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ مَا يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] فَصَارَ قِتَالُهُمْ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَحَيَّزُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَاجْتَمَعُوا لَهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا نَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَؤُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا هُمْ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْبِدَايَةِ مِنْهُمْ وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحَيُّزِ وَالتَّهَيُّؤِ فَلَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الدَّلِيلَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ بَلْ وَجَبَ لِمَا تَلَوْنَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ حَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى قِتَالِنَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا نُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ وَأَمَّا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمَنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرَ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَذَا ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ الْإِمَامِ اللَّامِشِيِّ وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْلَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا دَرَيْنَا الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَخَصْمُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا يُدْرَى الْعَادِلَةُ وَالْبَاغِيَةُ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ اهـ (قَوْلُهُ حَرُورَاءَ) حَرُورَاءُ بِالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ يُنْسَبُ إلَيْهَا فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِهِمْ بِهَا وَتَعَمَّقُوا فِي الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ مَعْنَاهُ أَخَارِجَةٌ عَنْ الدِّينِ بِسَبَبِ التَّعَمُّقِ فِي السُّؤَالِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَرُورَاءُ اسْمُ قَرْيَةٍ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ) أَيْ لَا تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ ثَانِيًا. اهـ.

(قَوْلُهُ إذَا تَحَيَّزُوا) أَيْ انْضَمُّوا. اهـ. (قَوْلُهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ) خُوَاهَرْ زَادَهْ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُخَارِيُّ وَسُمِّيَ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ أُخْتِ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي ثَابِتٍ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إمَامًا كَامِلًا فِي الْفِقْهِ بَحْرًا غَزِيرًا صَاحِبَ التَّصَانِيفِ وَمَبْسُوطُهُ أَطْوَلُ الْمَبَاسِيطِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِيمَا بَلَغَنَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ الْقُدُورِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ أَيْ الْبُغَاةُ مُسْلِمُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: ٩] الْآيَةَ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ) يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِ الْبُغَاةِ دَفْعُ شَرِّهِمْ فَإِذَا وُجِدَ دَلِيلُ الشَّرِّ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَعَسْكُرُهُمْ يَجِبُ دَفْعُهُمْ بِالْقِتَالِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حِلُّ الْقِتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ) أَيْ دَلِيلِ قِتَالِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا) أَيْ يَمْتَنِعُوا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَلْزَمَ بَيْتَهُ وَلَا يَخْرُجَ فِي الْفِتْنَةِ قَالُوا إنَّمَا أَرَادَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ يَدْعُو إلَى الْقِتَالِ وَإِنْ كَانَ إمَامٌ تَلْزَمُهُمْ إعَانَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ النَّاسُ مُجْتَمَعِينَ عَلَى إمَامٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاسُ آمِنُونَ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ نَاسٌ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا إمَامَ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَلَمْ يَخْرُجُوا مَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُعِينُوهُمْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>