أَنَّهُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا وَقَوْلُهُ أَيَّامًا أَيْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ» وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسُئِلَ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَدَّرَهُ بِسَنَةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ شَيْئًا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدِي لُقَطَتَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عِنْدِي لُقَطَةٌ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَتْ عَشْرًا وَهَذَا كُلُّهُ إشْهَادٌ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللُّقَطَةِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَيْ اللُّقَطَةُ بِتَأْوِيلِ الْمُلْتَقِطِ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَيَقُولَ أَخَذَهَا لَا رَدَّهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا كَفَى فَجَعَلَ التَّعْرِيفَ إشْهَادًا.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَكْفِيهِ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ يُفِيدُ مِثْلَهُ فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ التَّعْرِيفُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَصَابَ ضَالَّةً فَلْيُشْهِدْ» مَعْنَاهُ فَلْيُعَرِّفْهَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَا عَدْلٍ لِيُفِيدَ عِنْدَ جَحْدِ الْمَالِكِ التَّعْرِيفَ أَيْ الْإِشْهَادَ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَشْهَدَ ثُمَّ عَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ لَا يَقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ وَعَلَى هَذَا فَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا أَصْلًا حَتَّى ادَّعَى ضَيَاعَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِيَرُدَّهَا وَأَخَذَهَا لِذَلِكَ وَقَوْلُهُمَا إنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ أَيْ بِالتَّعْرِيفِ فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا فَقَدْ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فِي الْأَخْذِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ أَيْ التَّعْرِيفُ وَقْتَ الْأَخْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِيَعْرِفَ بِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَا لِنَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ رَدَّهَا فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِالرَّدِّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْهُ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا ثُمَّ عَادَ ضَمِنَ وَبَعْضُهُمْ ضَمَّنَهُ ذَهَبَ بِهَا أَوْ لَا وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرْنَا لَا يَنْفِي وَجْهَ التَّضْمِينِ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا مَالَ غَيْرِهِ بِطَرْحِهِ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ حِفْظُهُ بِالْأَخْذِ اهـ.
قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَلَوْ أَخَذَ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ مَا إذَا تَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَوَّلْ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ تَأْوِيلَهُ إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ فَأَمَّا بَعْدَ التَّحَوُّلِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَإِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ هَذَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِالْتِزَامِ الْحِفْظِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ فَكَانَ الْآخِذُ مُتَرَدِّدًا فَلَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْحِفْظِ بِنَقْضِ الْأَخْذِ فَإِذَا أَعَادَ بَعْدَ مَا صَارَ تَارِكًا لِلْحِفْظِ قَبْلَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ فَأَمَّا إذَا تَحَوَّلَ بِهَا فَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ بِهَا لِيَحْفَظَهَا لَا لِيَتَأَمَّلَ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ فَكَانَ الْمَشْيُ دَلِيلًا عَلَى الْتِزَامِ الْحِفْظِ فَإِذَا أَعَادَهَا فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ بَعْدَ الْتِزَامِهِ فَيَضْمَنُ هَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا لَمْ يَبْرَأْ عَنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا صَارَ آخِذًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ بِرَدِّ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى دَارِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِلَى مَرْبِطِهِ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلْحِفْظِ فَلَأَنْ لَا يَبْرَأَ هُنَا وَقَدْ رَدَّ إلَى مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْحِفْظِ أَوْلَى اهـ.
وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ رَفَعَ اللُّقَطَةَ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هَذَا إذَا أَخَذَهَا وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى أَعَادَهَا فِي مَكَانِهَا أَمَّا إذَا ذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى مَكَانِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ ذَهَبَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى) أَيْ الْمُلْتَقِطُ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا) الْحِذَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَأَلْفٍ مَمْدُودَةٍ أَرَادَ بِهِ خِفَافَهَا الَّتِي تَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَأَرَادَ بِالسِّقَاءِ إذَا وَرَدَتْ الْمَاءَ تَشْرَبُ مَا يَكُونُ رِيَّهَا مِنْ ظَمَئِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (فُرُوعٌ) سَكْرَانٌ ذَاهِبُ الْعَقْلِ وَقَعَ ثَوْبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَالسَّكْرَانُ نَائِمٌ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ لِيَحْفَظَهُ لِمَا أَنَّهُ خَافَ ضَيَاعَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ حَافِظٌ لِمَا مَعَهُ لِأَنَّ النَّاسَ يَخَافُونَ مِنْ السَّكْرَانِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ وَفِيهَا رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَ فِي أَخْذِ اللُّقَطَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَيْسَ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَوْ الْتَقَطَ رَجُلٌ لَقِيطًا ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ رَجُلٌ فَاخْتَصَمَا فِيهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ بِحُكْمِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ آخَرُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ لَمَا وُجِدَ مَطْرُوحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَا كَذَلِكَ اللُّقَطَةُ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْيَدِ كَالْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute