للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَرِّفُهَا حَوْلًا وَفِيمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ شَهْرًا وَفِي الْعَشَرَةِ جُمُعَةً وَفِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي دِرْهَمٍ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةً وَنَحْوَهَا تَصَدَّقَ بِهَا مَكَانَهَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهَا مَكَانَهَا قَدَّرَ لِكُلِّ لُقَطَةٍ مَا يَلِيقُ بِحَالِهَا فَكَانَ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاحِدًا لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَى اجْتِهَادِهِ.

وَهَذَا قَدَّرَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ يُعَرِّفُهَا إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهَا حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ تَفْسُدَ تَصَدَّقَ بِهَا وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعِدَّتِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ بَعْضُهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَوْلٍ وَبَعْضُهَا بِسَاعَةٍ وَبَعْضُهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ التَّقْدِيرِ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقِيَهَا فِيهِ وَفِي الْمَجَامِعِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهَا وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْإِشْهَادُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْرِيفًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَصْلَحَهَا مَلَكَهَا إنْ قَالَ مَالِكُهَا وَقْتَ التَّسْيِيبِ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَبَاحَ التَّمَلُّكَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ فِيمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا لَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ لَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْمُخْتَارُ فِي الْقُشُورِ وَالنَّوَاةِ يَمْلِكُهُ وَفِي الصَّيْدِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ جَمَعَ سُنْبُلًا بَعْدَ الْحَصَادِ فَهُوَ لَهُ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ سَلَخَ شَاةً مَيِّتَةً فَهُوَ لَهُ أَيْضًا وَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي صُوفِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ تَصَدَّقَ) أَيْ تَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ إذَا لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَأَدَاؤُهَا إلَى أَهْلِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَبِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِهَا إذْ إيصَالُ بَدَلِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ كَإِيصَالِ عَيْنِهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِثَمَنِهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا نَفَّذَهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ) يَعْنِي إذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ مَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ تَتَوَقَّفُ الْإِجَازَةُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْقَائِمِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَالِكِ أَيْضًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَإِذْنُ الشَّرْعِ لَا يُنَافِيهِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَ الْمَخْمَصَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِهِ وَالْقَاضِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) ثُمَّ تَقْدِيرُ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ بِالْحَوْلِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَعَيَّنَتْ لِلصَّدَقَةِ فَتَكُونُ مُقَدَّرَةً بِالْحَوْلِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ إبَاحَةَ التَّمَلُّكِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ) أَيْ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ كَالنَّوَاةِ (يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ) فَإِذَا وَجَدَهُ مَالِكُهُ فِي يَدِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ إذْ بِإِلْقَائِهِ يُبِيحُ الِانْتِفَاعَ لِلْوَاجِدِ وَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا مِنْهُ إذْ التَّمْلِيكُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَمِلْكُ الْمُبِيحِ لَا يَزُولُ بِالْإِبَاحَةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَهَا لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا بَعْدَ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْآخِذِ بِالْجَمْعِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْتِقَاطِهِ السَّنَابِلَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَجَدَ النَّوَاةَ وَالْقُشُورَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ لَهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمَّا جَمَعَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَلْقَاهَا بَلْ سَقَطَتْ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَلَخَ شَاةً مَيِّتَةً فَهُوَ لَهُ) أَيْ وَلَوْ دَبَغَ جِلْدَهَا كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ مِنْهُ بَعْدَ مَا يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالْإِلْقَاءِ وَالصُّوفُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِلَا اتِّصَالِ شَيْءٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَجَّانًا أَمَّا الْجِلْدُ صَارَ مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ فَإِذَا أَخَذَهُ يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ) أَيْ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَيَمْلِكُهُ الْفَقِيرُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الصَّدَقَةُ تَقَعُ» الْحَدِيثُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ تَجُوزُ الْإِجَازَةُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمَالِكُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ قُلْنَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِرْدَادِ كَالْوَاهِبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَكَالْمُرْتَدِّ لَوْ عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ هـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ) أَيْ فَإِنْ ضَمِنَهُ يَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ التَّصَدُّقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الصَّحِيحِ) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ جَامِعِ الْفَتَاوَى اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>