للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَضْمَنَ مِنْ أَمْرِهِ الْقَاضِي وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْفَقِيرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْفَقِيرُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الضَّمَانِ وَلَا الْمُلْتَقِطُ يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ هَذَا إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا صَاحِبُهَا إنْ لَمْ يُمْضِ الصَّدَقَةَ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ) أَيْ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّرْكُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ الشَّاةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَنَا أَنَّهَا يَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَكَانَ فِي أَخْذِهَا صِيَانَتُهَا فَكَانَ أَفْضَلَ أَوْ وَاجِبًا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي غَيْرِهَا وَلِأَنَّ إطْلَاقَ النُّصُوصِ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا رَوَاهُ كَانَ فِي دِيَارِهِمْ إذْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٍ وَنَحْنُ نَقُولُ فِي مِثْلِهِ بِتَرْكِهَا وَهَذَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الدَّوَابُّ يُسَيِّبُهَا أَهْلُهَا فِي الْبَرَارِيِ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَيْهَا فَيُمْسِكُوهَا وَقْتَ حَاجَتِهِمْ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْتِقَاطِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ عَلَى ذِمَّتِهِمَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ إذْ هُوَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَصَارَ أَمْرُهُ كَأَمْرِ الْمَالِكِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَغْصُوبِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ فَيَقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الثِّقَاتِ إنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ لُقَطَةٌ وَلَا أَدْرِي أَهُوَ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَطَلَبَ أَنْ آمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَاشْهَدُوا أَنِّي أَمَرْته بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَجِدْهُ وَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يُبَاعَ وَيُوَفِّيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ عَجَزَ أَجَابَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ وَقَوْلُهُ وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِمُجَرَّدِ إذْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّرْغِيبِ وَالْمَشُورَةِ أَوْ لِلْإِلْزَامِ فَلَا يَرْجِعُ بِالِاحْتِمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْتَرِطَ وَيَجْعَلَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللَّقِيطِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا لَظَهَرَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا وَأَمْكَنَهُ إبْقَاءُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهَا الدَّيْنَ فَتَعَيَّنَ طَرِيقًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا بَاعَهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا مَالِكٌ بَاعَهَا لِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَسْتَغْرِقُ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ تَبْقَى الْعَيْنُ وَيُوجِبَ عَلَيْهَا أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فَتَعَيَّنَ الْحِفْظُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ الثَّمَنُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَفِي كَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْآبِقُ فِي هَذَا كَاللُّقَطَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَجَّرُ لِأَنَّهُ يَخَافُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ فَصَارَ الْمُلْتَقِطُ كَالْغَاصِبِ وَالْمِسْكِينُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا الْمُلْتَقِطُ يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ) فَأَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ إبِلًا مُؤَبَّلَةً) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ لِلْقَنِيَّةِ فَهِيَ إبِلٌ مُؤَبَّلَةٌ اهـ

(قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ شَرَطَ فِي الْأَصْلِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَلَا تَقُومُ الْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ مُنْكِرٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ وَلَيْسَتْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ أُقِيمَتْ لِكَشْفِ الْحَالِ يَعْنِي أُقِيمَتْ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُ الْبَهِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَذَكَرَ أَيْضًا فِيهَا وَإِذَا بَاعَ اللُّقَطَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إذَا حَضَرَ إلَّا الثَّمَنُ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ إنَّمَا بَاعَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْقَاضِي وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي جَازَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إلَّا الثَّمَنُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِذْنِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ هَالِكَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ نَفَذَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ مِنْ حِينِ قَبَضَهَا وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مِمَّا تَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا بَاعَهَا) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَهِيمَةُ صَالِحَةً لِلْإِجَارَةِ كَالشَّاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِذَا رَفَعَ أَمْرَ اللُّقَطَةِ إلَى الْقَاضِي نُظِرَ فِيهَا إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ إجَارَتُهُ كَالدَّابَّةِ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ إجَارَتِهَا إبْقَاءً لِحَقِّ مَالِكِهَا صُورَةً وَمَعْنًى بِإِبْقَاءِ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إجَارَتُهُ كَالشَّاةِ مَثَلًا يَبِيعُ وَيَحْفَظُ الثَّمَنَ إبْقَاءً لِحَقِّ مَالِكِهَا مَعْنًى بِالْمَالِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إبْقَاءُ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْصِلَ النَّفَقَةُ الْقِيمَةَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَذِنَ فِي الْإِنْفَاقِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَا رَآهُ أَحْفَظَ وَأَصْلَحَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>