للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْ يَأْبَقَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَعَهَا مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ) أَيْ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَطَلَبَهَا مَنَعَهُ إيَّاهَا حَتَّى يُوَفِّيَ النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ هَذَا الْمَالِ لِإِحْيَائِهِ فَكَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْمَالِ فَأَشْبَهَ جَعْلَ الْآبِقِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ حَبْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَأْخُذُ صِفَةَ الرَّهْنِ عِنْدَ الْحَبْسِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْحَبْسَ فَيَهْلَكُ بِمَا حَبَسَهُ فِيهِ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهَا بَعْدَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُلْتَقِطُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ أَعْطَاهُ الْقَاضِي مِنْ ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ مَالُ مَالِكِهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَى مَالِكِهَا فَلِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَالْقَاضِي أَوْلَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مُدَّعِيهَا بِلَا بَيِّنَةٍ) أَيْ لَا يَدْفَعُ اللُّقَطَةَ إلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانُ بِإِزَالَتِهِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِهَا كَالْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا حَلَّ لَهُ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ) أَيْ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّعِي عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ الدَّفْعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ عَدَدَ الدَّرَاهِمِ وَوَزْنَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَك» وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَهُ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ الْوَصْفُ لِوُجُودِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ وَلَنَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَالْعَلَامَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْيَدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ.

وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مَالُ نَفْسِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ وَبِهِ نَقُولُ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِذِكْرِ الْعَلَامَةِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً يُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ لِتَعَدِّيهِمَا بِالدَّفْعِ وَالْأَخْذِ وَيَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْآخِذِ إنْ ضَمِنَ وَلَا يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى أَحَدٍ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا عِنْدَ الدَّفْعِ نَظَرًا لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ غَيْرُهُ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَيُضَمِّنَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا لِخَفَائِهِ فَيَسْتَوْثِقُ بِالْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ أَوْ غَرِيمٍ غَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَأْخُذُ كَفِيلًا لِنَفْسِهِ وَهُنَاكَ لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَعْرِفُهُ وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ فِي الْإِرْثِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ فَيَكُونُ الْقَاضِي ظَالِمًا بِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِعْطَاءِ الْعَلَامَةِ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ بَلْ الْمَنْعُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْمُودِعِ إذَا صَدَّقَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمَدِينُ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حَيْثُ يُجْبَرُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ.

وَقِيلَ يُجْبَرُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مَالِكٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمُودِعَ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ بِتَصَادُقِهِمَا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُلْتَقِطِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ ضَمَّنَ الْقَابِضَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ إزَالَةِ الْيَدِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ إذَا أَعْطَى الْمُدَّعِي عَلَامَتَهَا) أَيْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُلْتَقِطُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ بِالْعَلَامَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنَّ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ كَقَوْلِنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالدَّفْعِ بِالْعَلَامَةِ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ تَوْفِيقًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِحِلِّ الدَّفْعِ دُونَ الْجَبْرِ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثِ الْخَصْمِ وَالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا بِالْعَلَامَةِ فَقَطْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا اسْتِيثَاقًا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَنَفْيُ الْخِلَافِ هُنَا مَعَ إثْبَاتِهِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ إلَخْ) صُورَتُهُ مِيرَاثٌ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا دَفَعَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَلَامَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (فَرْعٌ) وَلَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>