للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالتَّحْرِيكِ حِبَالَةُ الصَّائِدِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطَ بَعْضِ حَبْلِهِ بِالْبَعْضِ ثُمَّ يُطْلَقُ اسْمُ الشِّرْكَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّرْكَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ شِرْكَةِ مِلْكٍ وَشِرْكَةِ عَقْدٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شِرْكَةُ الْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً) وَكَذَا اسْتِيلَاءً أَوْ اتِّهَابًا أَوْ وَوَصِيَّةً أَوْ اخْتِلَاطُ مَالٍ بِغَيْرِ صُنْعٍ أَوْ بِصُنْعِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَوْ يَعْسُرُ كَالْجِنْسِ بِالْجِنْسِ أَوْ الْمَائِعِ بِالْمَائِعِ أَوْ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشِّرْكَةِ كَانَ وَاقِعًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالشِّرْكَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْغَنَائِمِ وَنَحْوِهِمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلٌّ أَجْنَبِيٌّ فِي قِسْطِ صَاحِبِهِ) أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِأَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ اسْتِهْلَاكٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ إلَى الْخَالِطِ لَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي فَإِذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ زَوَالِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى شَرِيكِهِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الزَّوَالِ فَيُطْلِقُ لَهُ التَّصَرُّفَ وَلِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى حِيَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ حَبَّةٍ مُشَارٍ إلَيْهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَرَكَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ مَانِعٌ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِرْكَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقْبَلُ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِرُكْنِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ يَقُولَ شَارَكْتُك فِي بَزٍّ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرْكَةِ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ لِيَقَعَ مَا يُحَصِّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهِ فَيَكُونُ مَا يَكْسِبُهُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ ثُمَّ شِرْكَةُ الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شِرْكَةٍ بِالْمَالِ وَشِرْكَةٍ بِالْأَعْمَالِ وَشِرْكَةٍ بِالْوُجُوهِ وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ فَصَارَتْ سِتَّةَ أَقْسَامٍ وَعَقْدُ الشِّرْكَةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّ «السَّائِبَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِينِي وَلَا تُمَارِينِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ «زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ» فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ مَشْرُوعَةٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَتَسَاوَيَا مَالًا وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِدُونِ إذْنِهِ وَرُكْنُ شِرْكَةِ الْعُقُودِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا فَيَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْت وَحُكْمُهَا الشِّرْكَةُ فِي الرِّبْحِ ثُمَّ شِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ عَلَى ضَرْبَيْنِ جَبْرِيٌّ وَاخْتِيَارِيٌّ فَالْأَوَّلُ فِي الْعَيْنِ يَرِثُهَا رَجُلَانِ وَالثَّانِي فِي الْعَيْنِ يَشْتَرِيَانِهَا أَوْ تُوهَبُ لَهُمَا أَوْ تُوصَى لَهُمَا فَقَبِلَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ حِبَالَةُ الصَّائِدِ) حِبَالَةُ الصَّائِدِ بِالْكَسْرِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا اسْتِيلَاءٌ إلَخْ) مِثْلُ مَا إذَا اسْتَوْلَيَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اتِّهَابًا) أَيْ قَبِلَا عَيْنًا وُهِبَتْ لَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ اخْتِلَاطُ مَالٍ بِغَيْرِ صُنْعٍ) أَيْ كَمَا إذَا شُقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّرَاهِمِ اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ) أَيْ مِثْلُ خَلْطِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِوُجُودِ الْخَلْطِ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ صِفَةِ التَّعَدِّي عَنْ الْخَلْطِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ شِرْكَةِ الْعُقُودِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ عَقْدَ الشِّرْكَةِ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرْكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ مِنْ طَرِيقِ النُّطْقِ أَوْ الْحُكْمِ وَلَمْ تُوجَدْ الْوِلَايَةُ وَالنُّطْقُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشِّرْكَةِ وَهُوَ الرِّبْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِاحْتِشَاشُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ كَالِاصْطِيَادِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إلَخْ) وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ وَقَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَدْرِي مَا الْمُفَاوَضَةُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ لَا يَجُوزُ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ عِنْدَ انْضِمَامِهِمَا بَيَانُهَا أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ، وَالْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالشِّرَاءِ أَوْ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ لَا تَصِحُّ أَيْضًا بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ كَقَوْلِهِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ وَهُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ وَلِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا الْمُسَاوَاةُ عِنْدَكُمْ وَاعْتِبَارُهَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فِي مَتَاعِ الْأَهْلِيِّ أَوْ ثِيَابِ الْبَدَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>