للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ شِرْكَةُ الْعَقْدِ تَكُونُ مُفَاوَضَةً بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ

لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةً إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا

وَالْمُسَاوَاةُ تَكُونُ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ الْمُفَاوَضَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَوِّضُ أَمْرَ الشِّرْكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَامَّةً فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بِالنَّصِّ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ شَرَائِطَهَا فَيُشْتَرَطُ النَّصُّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مُقْتَضَاهَا لِتَكُونَ مَعْلُومَةً ظَاهِرَةً وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ فِيهَا لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِي الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ مِنْهُ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الْوَكَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الشِّرْكَةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ التَّوْكِيلُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ قَصْدًا.

وَيَصِحُّ ضِمْنًا حَتَّى صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ شِرْكَةُ الْعِنَانِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْوَكَالَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ لِمَا ذَكَرْنَا أَوْ نَقُولُ الْجَهَالَةُ تُفْسِدُ الْعَقْدَ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا لِذَاتِهَا وَهُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتَجُوزُ.

وَقَوْلُهُ إنْ تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ تَمْتَازُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدِ شِرْكَةٍ يَتَضَمَّنُهَا وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا فَلَا تَخْتَصُّ بِالْمُفَاوَضَةِ وَشُرِطَتْ الْكَفَالَةُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الشِّرْكَةِ لِتَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ جَازَتْ هُنَا مَعَ جَهَالَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي التَّكْفِيلِ مَقْصُودًا وَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَكَالَةِ مَعَ الْجَهَالَةِ أَوْ نَقُولُ جَوَّزْنَاهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَاشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّسَاوِي وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسَاوِي فِي مَالٍ تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالنُّقُودِ وَلَا يَضُرُّهَا التَّفَاضُلُ فِي الْعُرُوضِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِيهَا وَهِيَ تَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَوْ الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَلِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ التَّكْفِيلَ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِ مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهِمَا كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ فَفَاتَ الشَّرْطُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْمُفَاوَضَةِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي عَامَّةِ كُتُبِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ».

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ شِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَعَامَلُوا هَذِهِ الشِّرْكَةَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ الْمُسَاوَاةَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ لَا غَيْرُ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ قَالَ الشَّاعِرُ) هُوَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ) أَيْ لَا تَصْلُحُ أُمُورُ النَّاسِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَسَاوِينَ لَا أَشْرَافَ لَهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ وَيَنْهَوْنَهُمْ وَالسَّرَاةُ جَمْعُ سَرَى وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ

إذَا تَوَلَّى سَرَاةُ النَّاسِ أَمْرُهُمْ ... نَمَا عَلَى ذَاكَ أَمْرُ الْقَوْمِ وَازْدَادُوا

اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا) أَمَّا لَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ هَلْ يَلْزَمُ الْآخَرُ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَجِيءُ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ يَجِيءُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ خِلَافًا لَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تَكُونَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِتِجَارَةٍ دُونَ شَرِيكِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا مِنْ حُقُوقِ مَا يَتْجُرَانِ فِيهِ لَازِمًا لِلْآخَرِ وَمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ لِلْآخَرِ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا وَجَبَ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَفِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ عَنْهُ وَيَتَسَاوَيَانِ مَعَ ذَلِكَ فِي رُءُوسِ الْأَمْوَالِ فِي قَدْرِهَا وَقِيمَتِهَا فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً وَكَانَتْ عِنَانًا وَيَتَسَاوَيَانِ أَيْضًا فِي الرِّبْحِ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ خَاصٌّ فِي يَدِهِ أَوْ مُودِعٌ لَهُ مِمَّا بَيَّنْت لَك أَنَّ الشِّرْكَةَ تَجُوزُ فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الشِّرْكَةِ فَسَدَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَكَذَلِكَ إنْ صَارَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَفْسُدُ وَتَصِيرُ شِرْكَةَ عِنَانٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا بِيضٌ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ سُودٌ جَازَتْ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهَا فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فِي الصَّرْفِ فَلَا تَجُوزُ شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِمَا عُرِفَ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ جَازَتْ إنْ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَنْعَقِدُ الشِّرْكَةُ عِنَانًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالنُّقُودِ) أَمَّا فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالدُّيُونِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّيْنَ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ) وَفِي الْإِيضَاحِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ مَعَ الْمُرْتَدِّ فَلَا تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>