قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ إنْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ) أَيْ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ إذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَ لَهُ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ وَهُوَ النَّقْدَانِ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يُصْلِحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا شَرْطٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَقَدْ فَاتَ إذْ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَتَنْقَلِبُ عِنَانًا لِلْإِمْكَانِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْعَرَضُ) أَيْ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ بِهِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ لَا يَقَعُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَهَذَا لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَفَاوُتِهِمَا فِي الْمَالِ إلَّا فِي مَالٍ يَصِحُّ عَقْدُ الشِّرْكَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَهُوَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمُفَاوَضَةِ فَيَمْنَعُ الْبَقَاءَ لِأَنَّ لِبَقَاءِ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ الْعُقُودِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَالْمُفَاوَضَةُ مِنْهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ كَالنُّقُودِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَمَا لَمْ يَمْلِكْ بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا وَثَمَنُهُ فِي ذِمَّتِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِسَابِهِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي بَيْعِ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ رِبْحِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَمِينٌ.
فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْفُلُوسُ إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَ النَّقْدَيْنِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهَا وَلَا الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ رَوَاجَهَا عَارِضٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ فَكَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَتَصِيرُ عَرَضًا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِي الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ رَأْسِ الْمَالِ بِالْعَدَدِ بَعْدَ الْكَسَادِ وَلَا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحِرْزِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَقْيَسُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْفُلُوسَ تَتَعَيَّنُ بِالْقَصْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى جَازَ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ إنْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ اسْتَفَادَ أَحَدُهُمَا مَالًا بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لَمْ تَبْطُلْ أَيْضًا حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ) أَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا فَهُوَ لَهُ وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ وَكَذَا الْعَقَارُ اهـ أَيْ الْعَقَارُ حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ حُكْمُ الْعَرَضِ لَا تَفْسُدُ بِهِ الْمُفَاوَضَةُ ذَكَرَ هَذَا تَفْرِيعًا لِمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَإِنْ وَرِثَ عَرَضًا أَوْ دُيُونًا لَمْ تَبْطُلْ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدُّيُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَالًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ لِلَّذِي وَرِثَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْعُرُوضِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ شَرْطُ جَوَازِ شِرْكَةِ الْعِنَانِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ وَالْمَالُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطِ الشِّرْكَةِ بَلْ الشَّرْطُ وَقْتَ الشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَبِعْ فَمَا رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا فَفَعَلَ صَحَّتْ الشِّرْكَةُ لِقِيَامِ الشِّرْكَةِ عِنْدَ الْمَقْصُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَمْ تَجُزْ بِالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) أَيْ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ فِي الْعُرُوضِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَالْآخَرُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَاشْتَرَكَا فِي الرِّبْحِ يَأْخُذُ الَّذِي بَاعَ عَرَضَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِرَأْسِ الْمَالِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ طِيبِ الرِّبْحِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَرَضَك عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِكِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيْته بَيْنَنَا أَوْ اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ بَيْنَنَا جَازَ ذَلِكَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُلُوسُ إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا اهـ مُشْكِلَاتُ خُوَاهَرْ زَادَهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute