للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى كَذَا أَيْ حَبَسَهُ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِمْ نَسْجُ الْيَمَنِ وَضَرْبُ الْأَمِيرِ لِلْمَنْسُوجِ وَالْمَضْرُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ لَا إلَى مَالِكٍ) أَيْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَزُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «عُمَرَ أَصَابَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا تُبَاعَ وَلَا تُوهَبَ وَلَا تُورَثَ فِي الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا قَدْ تَعَامَلُوهُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ لِيَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُ هَذِهِ الْحَاجَةِ بِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ وَجَعْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا يَخْرُجُ الْمَسْجِدُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ مِلْكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَالْعِتْقِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ مِنْ شَرْطِهِ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدٌ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمُنَفَّذَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَالَ شُرَيْحٌ بُعِثَ مُحَمَّدٌ بِبَيْعِ الْحَبْسِ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَى مِلْكِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا أَيْ احْبِسْهُ عَلَى مِلْكِك وَتَصَدَّقْ بِثَمَرَتِهَا وَإِلَّا لَكَانَ مُسَبَّلًا جَمِيعَهَا وَهَذَا لِأَنَّ خُرُوجَ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَانَا عَنْ السَّائِبَةِ وَهِيَ الَّتِي يُسَيِّبُهَا مَالِكُهَا وَيُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ بِزَعْمِهِمْ وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهَا إلَّا الْفُقَرَاءُ أَوْ الضُّيُوفُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يُحْرَزُ عَنْ حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِصَرْفِ غَلَّاتِهِ إلَى مَصَارِفِهِ وَنَصْبِ الْقَيِّمِ وَلِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ أَوْ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَعْدُومَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا رَوَيَاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِهِ وَلِهَذَا أَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ سِوَى إلَى قَوْلِنَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَلَى وَجْهٍ يُحْبَسُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعِبَادِ لِأَنَّ مِلْكَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَشْيَاءِ لَمْ يَزُلْ قَطُّ وَلَا يُزَالُ فَالْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ لَا إلَى مَالِكٍ فَيَلْزَمُ وَلَا يَمْلِكُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَبْسُ الْعَيْنِ إلَخْ مَا نَصُّهُ هَذَا التَّعْرِيفُ الَّذِي ذَكَرَهُ لِلْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ أَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا خِلَافَ فِي خُرُوجِهِ عَنْ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْمُعَوَّلُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. حَقَائِقُ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ لَا إلَى مَالِكٍ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ أَيْ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ يُعَلِّقُهُ أَيْ يُعَلِّقُ الْوَقْفَ بِمَوْتِهِ فَيَقُولُ إذَا مِتَّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا صِحَّةَ الْوَقْفِ بِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلِّيًا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى وَإِذَا لَمْ يَزُلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَكُونُ مُوجَبُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ وَحَقِيقَتُهُ لَيْسَ إلَّا التَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَفْظُ حَبَسَ إلَخْ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَتَى شَاءَ وَمِلْكُهُ مُسْتَمِرٌّ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِمَنْفَعَتِهِ فَلَمْ يَحْدُثْ الْوَقْفُ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِمَنْفَعَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَهَذَا الْقَوْلُ كَانَ ثَابِتًا لَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ بِلَا ذِكْرِ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ لَفْظُ الْوَقْفِ شَيْئًا وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ وَهُوَ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ يَعْنِي الْمَبْسُوطَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ كَانَ كَالْمَعْدُومِ وَالْجَوَازُ وَالنَّفَاذُ وَالصِّحَّةُ فَرْعُ اعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُجِيزُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْوَقْفِ بَلْ لَا يُجِيزُ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا أَحْكَامُ ذِكْرِ الْوَقْفِ فَلَا خِلَافَ إذًا فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ أَيْ لَا يُثْبِتُ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهَا حَاكِمٌ وَقَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ هُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنَافِعِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ مِنْ قَوْلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ) أَيْ الْمُنَجَّزَةِ فِي الْحَالِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>