أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَرِهَ أَنْ يَنْقُضَ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ.
وَلَوْ كَانَ لَازِمًا لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى لُزُومَهُ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَسَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ وَطَرِيقُ الْحُكْمِ فِيهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَقْفَ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهِ الْوَاقِفُ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الْوَقْفِ لَزِمَ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا حَكَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الْمُحَكِّمُ فَلَا يَلْزَمُ بِحُكْمِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ عَلَّقَ الْوَقْفَ بِمَوْتِهِ بِأَنْ قَالَ إذَا مِتَّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَيَكُونُ مِلْكُ الْمَيِّتِ بَاقِيًا فِيهِ حُكْمًا فَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ دَائِمًا وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ يَجُوزُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَيَبْقَى الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلْوَقْفِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَإِنْ نَجَّزَ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَجَّزِ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَلْزَمُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ فِي الصِّحَّةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتِمُّ حَتَّى يَقْبِضَ) أَيْ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُتَوَلِّي وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَفْرِزَ) أَيْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَفْرِزَ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْمُشَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ وَأَصْلُ الْقَبْضِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُهُ كَمَا لَا يَمْنَعُ الْإِعْتَاقَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَضُرُّهُ الشُّيُوعُ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ بَقَاءَ الشِّرْكَةِ فِيهِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِيهِمَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ بِأَنْ يُدْفَنَ فِيهَا الْمَوْتَى سَنَةً وَتُنْزَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذُ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِغْلَالُ وَقِسْمَةُ الْغَلَّةِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَقْفِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْوَقْفِ شَائِعًا بَطَلَ فِي الْكُلِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْفَ كَانَ شَائِعًا فَيَعُودُ الْكُلُّ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ وَرَجَعَتْ الْوَرَثَةُ فِي الْبَعْضِ شَائِعًا أَوْ رَجَعَ هُوَ فِي الْهِبَةِ كَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ بَعْدَ صِحَّتِهِ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا طَرَأَ بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ بِدُونِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمُنَفَّذَةُ.
وَلَوْ وَقَفَ رَجُلَانِ أَرْضًا بَيْنَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا جَازَ إذَا سَلَّمَاهُ مَعًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لِأَنَّ وَقْتَ الْقَبْضِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا شُيُوعَ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ وَاخْتِلَافُ الْجِهَةِ لَا يَضُرُّ كَاخْتِلَافِ الْجِهَةِ فِي الْهَدْيِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْعَلُ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَمَّى فِيهِ جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ لَهُمَا أَنَّ حُكْمَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ بِالتَّأْبِيدِ كَالْعِتْقِ وَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِجِهَةٍ تَنْقَطِعُ كَمَا يَحْصُلُ بِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ عِنْدَهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِهِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ بَيْدَقَةٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى لُزُومَهُ يَلْزَمُ) قَالَ الْكَمَالُ وَصُورَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ ثُمَّ يُظْهِرُ الرُّجُوعَ فَيُخَاصِمُهُ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ قَالُوا فَإِنْ خَافَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبِيعَهُ قَاضٍ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ يَكْتُبُ فِي صَكٍّ فَإِنْ أَبْطَلَهُ أَوْ غَيَّرَهُ قَاضٍ فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعُ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ فُلَانٍ الْوَاقِفِ تُبَاعُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا لِأَنَّهُ إذَا كَتَبَ هَذَا لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ فِي إبْطَالِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَإِذَا أَبْطَلَهُ قَاضٍ لِيَصِيرَ وَصِيَّةً يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ أَمَّا إذَا كَانَ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ يَكُونُ فِي بَيْعِهِ وَنَقْضِهِ فَائِدَةٌ لِلْوَرَثَةِ فَحُمِلَ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقَفَ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ فِيهِ لَكِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ) أَيْ الْمُنَجَّزَةِ فِي الْحَالِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشَاعًا فَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَضُرُّهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا أَسْقَطَ أَيْ مُحَمَّدٌ اعْتِبَارَ تَمَامِ الْقَبْضِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَسَمَ قَبْلَ الْوَقْفِ فَاتَ الِانْتِفَاعُ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ فَاكْتَفَى تَحْقِيقُ التَّسْلِيمِ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتُنْزَعُ) أَيْ وَتُزْرَعُ. اهـ. هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُجْعَلُ آخِرُهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) أَيْ أَبَدًا كَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْحَرَمِ وَالْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجَرِّبَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ. اهـ. كَمَالٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute