مَوْقُوفَةٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْبِيدَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا عِنْدَ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ عِنْدَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ وَنَحْوَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاءَ دُونَ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ مَوْضِعٌ آخَرُ لَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ أَوْ عَلَى وَلَدِي وَنَحْوِهِ جَازَ الْوَقْفُ عِنْدَهُمَا وَالْغَلَّةُ لَهُ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ انْصَرَفَ إلَيْهِمْ وَذِكْرُ فُلَانٍ لِتَخْصِيصِهِ بِالْبُدَاءَةِ بِالْغَلَّةِ مَا دَامَ حَيًّا وَجَعَلَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الصَّدَقَةِ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ أَوْ وَلَدِي أَوْ قَرَابَتِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الصَّدَقَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ ضَيَّقَ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ غَايَةَ التَّضْيِيقِ أَوَّلًا مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ رَجَعَ وَوَسَّعَ غَايَةَ التَّوْسِعَةِ حَتَّى لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ وَالْإِفْرَازَ وَمُحَمَّدٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا أَفْتَى بِهِ عَامَّتُهُمْ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأُكْرَتِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلِهَذَا دَخَلَ الْبِنَاءُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُشَاعٌ قَضَى بِجَوَازِهِ) أَيْ بِجَوَازِ الْوَقْفِ فِيهِ فَإِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَقْطَعُ الْخِلَافَ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ فِيهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ) كَالْكُرَاعِ وَالْخُفِّ وَالسِّلَاحِ وَالْفَأْسِ وَالْمَرْوِ وَالْقِدْرِ وَالْقُدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْمَصَاحِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُعُورِفَ وَقْفُهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْمَنْقُولِ أَصْلًا إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ تَرَكَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا كَانَ شِبَعُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسَنَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي حَقِّ خَالِدٍ قَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالنَّصِّ وَمُحَمَّدٌ تَرَكَهُ بِالتَّعَامُلِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِهِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَفِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا جَرَى التَّعَامُلُ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ وَقَفَ كُتُبَهُ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُمْسَكُ لِلدِّينِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَقِرَاءَةً وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَقْفُ كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ قِيَاسًا عَلَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ قُلْنَا الْأَصْلُ عَدَمُ جَوَازِ الْوَقْفِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْعَقَارُ وَالْكُرَاعُ وَالسِّلَاحُ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا مَا جَرَى التَّعَامُلُ فِيهِ فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالنَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ الْوَقْفَ وَلَا يَقْسِمُ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ أَنْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ وَالتَّمَلُّكِ وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ يُنَافِيَانِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ دَائِمًا وَلَا يَبْقَى دَائِمًا إلَّا بِالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ اقْتِضَاءً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَا وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا) لِأَنَّ فِيهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ أَمَّا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً فِيهَا بَقَرٌ وَعَبِيدٌ لَهُ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ الْآلَاتِ الْبَقَرُ وَالْعَبِيدُ فِي الْوَقْفِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَقْفُ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُكْرَتُهُ) الْأُكَرُ جَمْعُ الْأَكَّارِ وَهُوَ الْفَلَّاحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْأُكْرَةُ الْحَرَّاثُونَ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَكَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ إذَا كَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي حَقِّ خَالِدٍ قَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ) الْأَعْتَادُ آلَاتُ الْحَرْبِ مِنْ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاحِدَةُ عَتَادٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ عَتَدٌ بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَرَسٌ عَتَدٌ وَعَتِدٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا الْمُعَدُّ لِلْحَرْبِ وَالْعَتَادُ الْعُدَّةُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَدْخُلُ الزُّرُوعُ كُلُّهَا إلَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَا يُقْطَعُ فِي سَنَتِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَجَرٍ يُقْطَعُ فِي سَنَتِهِ فَهُوَ لِلْوَاقِفِ وَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَنَتِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ فَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ أُصُولُ الْبَاذِنْجَانِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ اهـ (قَوْلُهُ وَالثِّمَارُ) أَيْ وَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ الْقَائِمَةُ وَقْتَ الْوَقْفِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ أَوْ لَا كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا قَالَ هِلَالٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَدَقَةٌ مَفْهُومُهُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا فَقَدْ تَكَلَّمَ بِمَا يُوجِبُ التَّصَدُّقَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا (قَوْلُهُ عَمَّرَ الْحَاكِمُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمُرْهَا يَبْطُلُ الْحَقَّانِ حَقُّ الْوَاقِفِ وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَحَقُّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى فَإِذَا عُمِّرَتْ يَبْقَى الْحَقَّانِ جَمِيعًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ فِي الْعِمَارَةِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَتَأْخِيرُ الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -