وَالْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ بِالْعِبَارَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ وَرُبَّمَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ فَيَخْلُو عَنْ الْفَائِدَةِ أَوْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ قُلْنَا هَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَهُ مُجَازَفَةً جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزَافٌ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الثُّنْيَا وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَمَا لَا فَلَا وَبَيْعُ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الثِّمَارِ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْقَطِيعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا وَلَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةً بِأَنْ بَاعَ شَاةً مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَا يَجُوزُ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا وَعَلَى هَذَا أَطْرَافُ الْحَيَوَانِ وَأَوْصَافُ الْمَبِيعِ
وَقَوْلُهُ وَرُبَّمَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْكَلَامِ فَإِذَا صَحَّ تَمَّ الْكَلَامُ وَصَارَ مُفِيدًا وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا وَلَوْ خَرَجَ الْكُلُّ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ الْبَقَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ أَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ الْكُلَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ صَحَّ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ رُجُوعًا إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ بِأَنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي حَيْثُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ وَيَلْغُوا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى الْجَمِيعِ فَكَذَا هُنَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الثِّمَارَ إلَّا هَذِهِ الثِّمَارَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ بُرًّا فِي سُنْبُلِهِ إلَخْ فَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قِشْرِهِ كَالشَّعِيرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ غَائِبٌ عَنْ الْبَصَرِ وَلَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَحَبِّ الْقُطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ قَبْلَ الِاسْتِخْرَاجِ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَالِبَ فِي السُّنْبُلَةِ الْحِنْطَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ وَهِيَ فِي سُنْبُلِهَا وَلَا يُقَالُ هَذَا حَبٌّ وَلَا هَذَا لَبَنٌ وَلَا زَيْتٌ وَلَا قُطْنٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفُسْتُقُ وَالْبُنْدُقُ وَالْجَوْزُ وَالْحِمَّصُ الْأَخْضَرُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ الْمُغَلَّفَةِ، وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنُ الْعَاهَةَ» الْمُرَادُ بِهَا السَّلَمُ يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ حَتَّى يُوجَدَ بَيْنَ النَّاسِ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» فَيَكُونُ حُجَّةً لَنَا فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحَلِّ وَلَوْ أُجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَانَ حُجَّةً لَنَا أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهِ بَعْدَمَا ابْيَضَّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْفَرْكِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَقَالَ حَتَّى يُفْرَكَ.
قَالَ (وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ) مُرَادُهُ فِيمَا إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً، وَكَذَا أُجْرَةُ وَزْنِ الْمَبِيعِ وَذَرْعِهِ وَعَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالذَّرْعَ وَالْعَدَّ فِيمَا بِيعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً أَوْ مُذَارَعَةً أَوْ مُعَادَّةً مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا تَمَامُهُ قَالَ (وَأُجْرَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحِّحًا، وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِ الْمَنْعِ بَعْدَ الْمَبِيعِ لَا يَبْلُغُ إلَّا تِلْكَ الْأَرْطَالَ فَبَعِيدٌ إذْ الْمُشَاهَدَةُ تُفِيدُ كَوْنَ تِلْكَ الْأَرْطَالِ تَسْتَغْرِقُ الْكُلَّ أَوَّلًا فَلَا يَرْضَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ: وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَيْ، وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا) أَيْ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: وَأَطْرَافُ الْحَيَوَانِ أَيْ كَمَا إذَا بَاعَ هَذِهِ الشَّاةَ إلَّا أَلْيَتَهَا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ إلَّا يَدَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَفُلَانَةُ) لَفْظُ فُلَانَةَ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قِشْرِهِ كَالشَّعِيرِ) أَيْ وَأُجْرَةُ الدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. خُلَاصَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَّى فِي الْقِشْرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى، وَقَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الْأَرُزُّ وَالسِّمْسِمُ فِي كُمِّهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ فِي سُنْبُلِهِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا زَيْتَ وَلَا قُطْنَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَوْرَدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ أَوْ نَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ أَيْ بَاعَ مَا فِي هَذَا الْقُطْنِ مِنْ الْحَبِّ أَوْ مَا فِي هَذَا التَّمْرِ مِنْ النَّوَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا فِي غِلَافِهِ أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ النَّوَى هُنَاكَ مُعْتَبَرٌ عَدَمًا هَالِكًا فِي الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا تَمْرٌ وَقُطْنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا نَوًى فِي تَمْرٍ وَلَا حَبٌّ فِي قُطْنِهِ وَيُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا وَهَذَا لَوْزٌ وَفُسْتُقٌ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ قُشُورٌ فِيهَا لَوْزٌ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَهْمٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْحُبُوبِ الْمُغَلَّفَةِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الِاسْتِخْرَاجِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَفِي بَابِ الْعَيْنِ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُكَايَلَةً فَالْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَصَبُّهَا فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَفِي الْمُنْتَقَى إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْ السُّفُنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَعَلَى الْبَائِعِ تَحْصِيلُهَا بِالدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ وَدَفْعُهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَفِي بَابِ السِّينِ رَجُلٌ اشْتَرَى عِنَبًا جُزَافًا فَقَطَعَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ كَالثُّومِ وَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. .