للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بَاتٌّ مُطْلَقٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَأَذِنَ الْآكِرُ أَنْ يَزْرَعَهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَزَرَعَهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ.

قَالَ (وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا وَظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا وَدَاخِلِ الدَّارِ)؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ يَكْفِي لِتَعَسُّرِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَرُؤْيَةُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقَعُ بِهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ أَشْيَاءُ فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ بِالْبَاقِي إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرَادَ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ، وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ تَتَفَاوَتُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِالْبَاقِي لِلتَّفَاوُتِ وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ وَصْفُ الْبَاقِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) أَيْ لِأَنَّ خِيَارَهُ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَرَى أَبْطَلْت خِيَارِي فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِدَلَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ صَرِيحًا كَانَ الرِّضَا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي انْتِفَاءِ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِتَعَذُّرِهِ عَادَةً وَشَرْعًا وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا وَلَزِمَ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ حَبَّةٍ حَبَّةٍ مِنْهَا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَآهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ فِي التَّبَعِ إذَا عُرِفَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى بَطْنَهُمَا وَظَهْرَهُمَا وَسَائِرَ أَعْضَائِهِمَا إلَّا الْوَجْهَ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَأَى وَجْهَهُمَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ وَلِذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَفِي الدَّوَابِّ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَلِ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فَيَسْقُطُ بِرُؤْيَتِهِمَا وَلَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا مِنْهَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا تَتَفَاوَتَ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَإِذَا رَأَى الْبَعْضَ وَرَضِيَ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ رِضًا بِالْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا رَأَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِثْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ تُعْرَفُ حَالَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّمُوذَجِ وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مَتَى كَانَا فِي وِعَاءَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التُّحْفَةِ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوِعَاءِ وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ نَحْوِ الثِّيَابِ فِي صُنْدُوقٍ وَالْبَطَاطِيخِ فِي شَرِيجَةٍ وَنَحْوِ الرُّمَّانَاتِ وَالسَّفَرْجَلَاتِ فِي قُفَّةٍ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَةً فِي الْبَاقِي وَيَكُونُ عَلَى خِيَارِهِ مَا لَمْ يَرَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تَعْرِفُ الْبَاقِيَ لِلتَّفَاوُتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَرَأَى الْوَجْهَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَامَتُهُ) أَيْ عَلَامَةُ الشَّيْءِ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّمُوذَجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ يَحْمِلُ السِّمْسَارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرَاهُ فَإِنْ أَعْجَبَهُ اشْتَرَاهُ وَالنَّمُوذَجُ بِفَتْحِ النُّونِ بِمَعْنَى الْأُنْمُوذَجِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُغْرِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ) أَيْ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْكَافِي إذَا كَانَ أَرْدَأَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوصِلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَا يُوصِلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ) أَيْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلِهَذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ. اهـ. شَرْحُ مَنَارٍ.

(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً) أَيْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ) أَيْ فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ) ثُمَّ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرُ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>