التهلكة: الهلاك والمراد به هنا التقصير في بذلك المال استعداداً للجهاد.
لم يكن في بدء الاسلام جنود يأخذون رواتب، بل تطوُّع بالنفس وتطوع بالمال. وكان كثير من فقراء المسلمين الراغبين في الجهاد يأتون الى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه ان يزودهم بدابة تنقلهم، فاذا لم يجد ما يحملهم عليه {تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع. . .} حزنا، حيث لم يجدوا ما ينفقون. فالله سبحانه وتعالى يعلّمنا في هذه الآية الكريمة درسا عظيماً. حيث يقول: وانفقوا الأموال في الإعداد للقتال في سبيل الله، ولا تقعدوا عنه، فانكم ان تقاعدتم وبخلتم رَكبَكُم العدو وأذلّكم، فكأنما ألقيتم بأيديكم الى الهلاك. وهذا ما قاله الصحابي الجليل أبو أيوب الانصاري كما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه قال: «انما نزلت هذه الآية فينا معشر الانصار لمّا اعز الله الاسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً: ان أموالنا قد ضاعت وان الله قد أعزّ الاسلام، وكثر ناصروه، فلو قمنا فأصلحنا ما ضاع منها. فانزل الله تعالى على نبيه يرد علينا ما قلنا {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة. . .} فما زال ابو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى مات في القسطنيطينية ودُفن بها، وقبره عليه مسجد معروف فيها الى اليوم.
فالجهاد بالمال أمر مهم، بل هو أساس كبير في دعم الجهاد والمحافظة على كيان الأمة.
في الآيات التي مرتب معنا تحددت النقاط التالية:(١) شُرع القتال لدفع الأعداء، لذاته، ولا لحمل الناس على الاسلام. (٢) النهي عن الاعتداء فلا يُقتل من لا يحمل سلاحا ولا من استسلم، ولا تخرَّب الدور على أهلها، ولا تهدّم المدن. (٣) ملاحظة الفضيلة التي دل عليها الامر بالتقوى، فلا تُنتهك الاعراض، ولا يمثّل بقتيل. (٤) ان القتال ينتهي اذا انتهى المشركون عن فتنة المؤمنين في دينهم. (٥) لا قتال في الأشهر الحرم، فاذا اعتدى المشركون وقاتلوا وجب قتالهم. (٦) ان ترك الأعداء يقتلون بعضنا من غير ان نقاتلهم لهو هلاكٌ لنا. وهذا ما هو جار الآن بيننا وبين اليهود: يعتدون ويقاتلون ونحن واقفون ننظر ويلوم بعضنا بعضا.
فاذا دققنا النظر في هذه المباىء نجد ان حرب الاسلام فاضلة في بواعثها، وعادلة في سيرها ومراميها.