لقف الشيء: تناوله بحذق وسرعة. يأفكون: يصرفون الناس عن الحق وأُلقي السحَرة ساجدين: خرّوا ساجدين.
ولما جاء السحَرة من جميع المدائن، واجتمع الناس ليروا ذلك المشهد الكبير، قال السحَرةُ لفرعون: إننا نريد مكافأةً عيظمة اذا غلبنا موسى وأخاه، فقال فرعون مجيباً لهم: نعم، ان لكن أجراً عظيماً على ما تقومون به، وأنتم أولا وأخيراً من أهل الحظوة لدى العرش.
ثم توجه السحرة الى موسى، بعد ان وعدهم فرعون ومنّاهم، واظهروا الثقة بأنفسهم واعتدادَهم بسحرهم، فقالوا: يا موسى: اما ان تلقي ما عند اولاً، وإما أن نبدأ نحن.
فاجابهم موسى اجابة الواثق بالغلبة والنصر، «أَلقوا» فلما ألقى كل واحد من السحرة ما كان معه من حبال وعصي، سحروا بها أعينَ الناس المشاهدين ومَوَّهوا عليهم ان مافعلوه هو حقيقة.
{واسترهبوهم وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} .
فهالَ الأمر الحاضرين وأوقع في قلوبهم الرهبة والرعب. وبخاصة حين جعلت حبالهم وعصُّيهم التي ألقوها تسير وتتحرك كأنها حقيقة.
عند ذلك أصدر الله امره الى موسى بقوله:{أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} فالقاها موسى، فاذا تلك العصا تبتلع ما لفّقه السحرة من التمويه.
وهكذا، فان الباطل يكبُر ويتزايد، ويسترهب القلوب ويُخَيَّل الى الكثيرين أنه غالب، وما إن يواجه الحق حتى يبطُل وينكشف زيفهُ.
{فَوَقَعَ الحق} وعندئدٍ ثبت الحق وذهب ما عداه، {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} ومن ثَم ذلّ السحرة وصغُروا بعد الزهو الذي استشعروه قبل قليل. كما هُزم فرعون وملؤه في ذلك المجمع العظيم.
{وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} .
أما السحرة فقد بهرهم الحقُّ لما عاينوا قدرة الله فخرُّوا ساجدين لربهم مذعِنين للحق.
وقالوا: آمنا برب العالمين، ورب موسى وهارون، فانه الإله المعبود لا اله الا هو. لقد صدقنا بما جاءنا به موسى، وزالت من نفوسهم عظمة فرعون.