مدخَلا يرضونه: الجنة. بغى عليه: اعتدى عليه، ظلم.
بعد ان ذكر اللهُ أن المُلك له يوم القيامة، وانه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين - ذكَر هنا وعدَه الكريم للمهاجرين في سبيله بالجنَة، ثم بين أنه ينصر الذين يُضْطَرّون إلى مفارقة أوطانهم في سبيله، والذين يُعتدى عليهم، وجميعَ المظلومين، وذكر بعض آياته التي تتجلّى في صفاحات الكون ونواميس الوجود.
{والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ قتلوا أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين}
الذين تركوا أوطانهم، وفارقوا أهلَهم وعشيرتهم، حفاظاً على عقيدتهم وابتغاءَ رِضوان الله، ثم قُتلوا في ميدان الجهاد، أو ماتوا على فراشِهم - لهم عند الله رزقٌ أكرمُ من كل ما تركوا في ديارهم. هذا وعدٌ من الله لهم بالعوض الكريم وهو خير الرازقين.
ثم بيّن هذا الرزقَ الحسن بقوله:
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}
وهذاه تعهّدٌ من كريم بأن يُدخلهم الجنة، ويحقّقَ لهم ما يرضونه، ويكرِمهم بما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر. وإنه عليم بما وقع عليهم نم ظلمٍ وأذى، وبما يرضي نفوسهم ويعوّها، حليمٌ يمهِل، ثم يوفَى الظالمَ والمظلومَ الجزاء الأوفى.
{ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
ذلك شأننا في مجازاة الناس، لا نظلِمهم شيئا. والذي يقتصّ ممن جنى علي، ويجازيه بمثل اعتدائه عليه دون زيادة، ثم اعتُدي عليه بعد ذلك، فإن الله ينصره على من تعدّى عليه. واللهُ كثير العفو والمغفرة، فهو يستُرُ هفواتِ عباده الطائعين ويعفو عنهم.
{ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
ذلك النصر الذي ينصره الله لمن بُغي عليه هيِّن على الله، لأنه قادر على كل شيء، ومن آياتِ قدرته البارزه هيمنتُه على العالَم، فيداول بين الليل والنهار، بأن يزيد في أحدِهما ما يُنْقِصُه من الآخر، فتصير بعض ظلمة الليل مكانَ ضوء النهار، وعكس ذلك. والقادرُ على هذا الكون، قادرٌ على نصر المظلومين. وهو مع تمام قُدرته سميعٌ لقول المظلوم بصيرٌ بفعل الظالم، لا يغيب عنه شيء.
{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلي الكبير}
ذلك الاتصاف بكمال القدرة، والتصرّف المطلق في الكون، إنما هو لأن الله هو الحق الذي لا اله معه غيره، وأن ما يعبده المشركون من الأصنام هو الباطل، وهو العليُّ لا سلطان فوق سلطانه، وهو الكبير الذي وسع كل شيء قدرةً وعلما ورحمة.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
الم تتبصرّ ايها القاعل بما ترى حولك من مظاهر قدرة الله، فهو الذي ينزل الماءَ من السماء فيُحيي به الأرضَ فتنبت أنواعاً مختلفة من النبات بديعةَ الألوان والأشكال تسرّ الناظرين، انه تعالى لطيف يصِل عِلمه الى الدقيق والجليل، خبير بمصالح خلقه ومنافعهم.