القرية: المدينة. البأساء: الشدة والمشقة كالحرب والجذب وشدة الفقر. الضراء: ما يضر الانسان في بدنه او نفسه. التضرع: اظهار الخضوع والضعف. عَفَواْ: كثروا ونموا. بغتة: فجأة.
اشار الله تعالى هنا الى سُنته في الأمم التي تكذّب رسلَها، فهو يُنزل بها البؤسَ وشظَف العيش وسوء الحال في دنياهم ليتضرّعوا الى ربهم ويُنيبوا إليه بالتوبة. ثم ذكرَ أنه بدّل الرخاء بالبؤس ليعتبروا ويشكرون، لكنهم لم يفعلوا، فاخذهم أخذَ عزيزٍ مقتدر.
وما بعثنا نبيّاً من الأنبياء في مدينةٍ من المدن، يدعو أهلَها الى الدين القويم، ثم أعرضوا عن قبول تلك الدعوة- إلا أصبناهم بالفقر والمرض، كي يتذللوا ويخضعوا ويبتهلوا إلى الله راجين كشفَ ما نزل بهم.
ثم إنهم لمّا لمْ يفعلوا ذلك، بل تابعوا كفرهم وعنادهم، امتحنهم الله بالعافية مكان البلاء، فوهبهم رخاءً وسعة وصحةً وعافية، حتى كثُروا ونَموا في أموالهم وأنفسهم، وقالوا جهلاً منهم: إن ما أصاب آباءنا من المحَن وبالبلاء كان شأنَ الدهر، يداول الضرّاءَ والسّراءَ بين الناس. لم ينتبهوا أنَّ ذلك كان جزاءَ كفهرم فيرتدعوا، فكانت عاقبة ذلك أن أصابهم اللهُ بالعذاب المدمّر فجأة وهم غافلون عما سيحلُّ بهم.
فلنعتبر نحن المسلمين، فإننا قد تركنا ديننا والعمل به، وأهملنا قرآننا وتعاليمه فسلّط الله علينا شرّ خلقه وأخسَّ الناس، يسلبوننا مقدّساتِنا وأرضينا، ويُذلّوننا شرَّإذلال. كل هذا ونحن لا ينقصُنا المال ولا الرجال، ولكن ينقصُنا الإيمان بالله والحزم والثقة بأنفسنا، وهدايةُ الحكّام فينا كي يتبعدوا عمّا هم فيه من انصراف عن الله وتناحر بينهم وفرقة.