في غمرة المعركة وساعة المحنة، وحيث انقلبت الكفة ودارت الدائرة على المسلمين قُتل مصعب بن عمير. وكان مصعب يشبه النّبي شبهاً تاما، فنادى قاتلُه: قتلتُ محمداً. في تلك الساعة الحرجة قال أنس بن النضر (وهو عم أنس من مالك) : يا قوم، ان كان محمد قد قُتل فان رب محمد حيّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد رسول! قاتِلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه. ثم شد سيفه وقاتل حتى قُتل.
فالله سبحانه وتعالى هنا يخاطب هؤلاء بقوله: ليس محمد إلا رسول قد مضت قبله الرسل، فماتوا وقُتل بعضهم ولم يُكتب لأحد منهم الخلود. وسيموت محمد كما ماتوا، أفإن مات أو قُتل رجعتم على اعقابكم الى الكفر! ان من يرجع الى الكفر في تلك الحال لن يضر الله شيئاً، وانما يضر نفسه، بتعريضها للعاذب.
ويرشدنا الله في هذه الآية الى ان نتّبع الرسول ونسترشد برسالته وهدية ودينه، اما ما يصيب جسمه من جرح أو ألم. وما يعرض له من حياة وموت فلا مدخل له في صحة دعوته، ولا لخضوعنا نحن. ذلك ان محمداً بشر مثلنا خاضع لسنن الله.
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله. . .}
فالموت والحياة بيد الله، ولا يمكن ان تموت نفس إلا بإذن الله، وفي أجل معين يعلمه الله، لا يتقدم ولا يتأخر. لذلك، قد يموت الصغير ويبقى الكبير، ويفتك المرض بالشابّ القوى فيما يعيش المريض العليل. وقد يسلم المقدام في الحرب ويُقتل الجبان. ومن ثم لا عذر للمرء هنا في الوهن والضعف.
وفي الآية تحريض على الجهاد، والذي تركناه اليوم لليهود، فيهم يجاهدون عن وطنهم المزعوم ونحن قاعدون مستسلمون لنكبة وطننا الحق، نريد من الأمم أن تحل قضيّتنا. ألا بئس ما نحن فيه! ما دام الأجل محتوماً، ومؤقتا بميقات، فلماذا هذا الجُبن والخور!
{وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا. . .}
وم قصَد بعمله حظَّ الدنيا أعطاه الله ثوابها، ومن قصد الآخرة اعطاه الله حظاً من ثوابها وأجزله له، وسيجزي الله الشاكرين لنعمائه، وهم الذين أطاعوه فيما أمرهم به وجاهدوا وصبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كرر تعالى: قوله: {وَسَيَجْزِي الله الشاكرين} حتى يعلم كل انسان ان الله كريم لا يُضيع أجر من أحسن عملا.