بعد ان ارشدنا الله تعالى في الآية السابقة الى بعض آياتِ علمه في خلقه نبهنا هنا الى أن العليم بكل شيء، لا يمكن ان يترك الناس سُدًى، كما انه لم يخلُقهم عَبَثا، فلا يليق بحكمته وعدله ان يجعل الذين اجترحوا السيئات كالذين عملوا الصالحات، ولا ان يسوّي بين الطيب الخبيث، فيجعل البَرّ كالفاجر. لا بد إذن من الجزاء بالحق. ولا يملك الجزاء الا من يقدر على العقاب كما على المغفرة والرحمة. لذلك جاءت هذه الآيات ترغيباً وترهيباً، فقال:{اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب وَأَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، فلأنه يعلم ما في السموات والارض، لا يخفى عليه شيء من سرائر اعمالكم وعلانيتها. ومن ثم فهو شديدٌ عقابُه لمن عصاه، وواسعة مغفرته لمن أطاعه وأناب اليه. والله سبحانه وتعالى دائما يوعد ويَعِد، والرحمة غالبة. لذلك يغفر كثيرا من ظلم الناس لأنفسهم {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} .
{مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}
هذا بيان لوظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام، فليس عليه الا أن يؤدي الرسالة، وبعد ذلك يكون الناس هم المسئولين عند الله، وهو يعلم ما يبدون وما يكتمون.
وبعد ان بين الله تعالى ان الجزاء منوط بالأعمال، اراد ان يبيّن ما يتعلق به الجزاء من صفات الأعمال والعاملين لها، وأرشد الى حقيقتين يترتب على كل منهما ما يليق بها من الجزاء:
١- لا يستوي الرديء والجيد من الاشياء والأعمال، لا من حيث صلاح أمور الحياة بهما، ولا في حكمهما عند الله. فبالظلم لا تستقيم الحياة ولا يرضى الله عنه. وذلك بخلاف العدل والصلاح.
٢- ان الخبيث غرّار في الظاهر، لكن الطيّب أفضلُ وأبقى. فالقليل من الحلال خير من الكثير الحرام، كما أنه أدوَم وأطهر.
وما دام الأمر كذلك يا ذوي العقول المدركة، فسارعوا الى ط اعة الله وقاية لكم من عذابه، باختيار الطيبات واجتناب الخبائث. بذلك تفوزون في الدنيا والآخرة.