تقسطوا: تعدلوا. تعولوا: تميلوا عن الحق، وقيل يكثُر عيالكم.
يسأل كثير من الناس قديماً وحديثا: ماوجه الربط بين العدل في معاملة اليتامى، ونكاح النساء! وقد سأل عروة بن الزبير خالته عائشة أم المؤمنين، ففسرت ذلك بأن بعض أولياء اليتامى كان يتزوج بمن عنده من اليتيمات اللاتي يحل له زواجهن، أو يزوّجها بعض أبنائه، ويتخذ ذلك ذريعة الى أكل مالها أو أكل مهرها الذي تستحقه بعقد الزواج. فأنزل الله تعالى هذه الآية مرشدة لهم بأن من كان عنده يتيمة وأراد ان يتزوج بها أو يزوّجها من بعض أبنائه، لا لغاية أكل مالها أو أكل مهرها فلا مانع من ذلك. اما اذا اراد ان يتزوجها ليأكل مالها أو مهرها، فان الله يأمره أن يتركها تتزوج غيره، وله ان يتزوج غيرها.
ولقد أباح له الزواج بأكثر من واحدة الى اربع نساء. ثم وضع شرطاً مهماً جداً فقال:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} بين الزوجات فعليكم ان تكتفوا بواحدة فقط، لكم ان تتمتّعوا بمن تشاؤون من السراري. واختيار الواحدة اقرب من عدم الجور والظلم، اذا ان العدل بين النساء من الأمور الصعبة جدا. لذلك قال تعالى في آية أخرى {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء وَلَوْ حَرَصْتُمْ} والمقصود بالعدل هنا هو المعاملة الطيبة، والنفقة، والمعاشرة الحسنة للزوجات على السواء. اما العدل في مشاعر الرجل وميله القلبي فإنه غير ممكن وليس هو المقصود. فان النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول:«اللهم هذا قَسمي فيما امِلكَ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» .
وموضوع تعدد الزوجات أمرٌ كثر فيه الكلام قديماً وحديثا، واتخذه أعداء الاسلام سبيلاً للطعن فيه، ولا سيما المشترقون والمبشرون. ولو ان هؤلاء المتعصبين بحثوا الموضوع بتجرد عن الهوى لرأوا ان الاسلام لم يبتدع تعدد الزوجات بل حدّده ووضع قيوداً تقلله بقدر الامكان. فقد كان التعدد معروفاً ومعمولاً به عند جميع الأمم، فجاء الاسلام ورخّص فيه وقيّده بقيود صارمة. وذلك لمواجهة واقع الحياة البشرية، وضرورات الفطرة الانسانية. إن الناس ليسوا سواء، فمنهم من لا تكفيه زوجة واحدة ومنهم المضطرُّ الى الجمع، لأمور عديدة والدين الاسلامي ليس ديناً جامداً، بل هو واقعيٌّ ايجابي، يتوافق مع افطرة الانسان وتكوينه كما ينظر الى واقعه وضروراته ولهذا أباح تعدد الزوجات بذلك التحفظ الشديد، فحيسن ان يؤخذ هذا الموضوع بيسر ووضوح، وان تُعرف الملابسات التي تحيط به، فلا ينبغي لمسلم ان يقدم على الزواج بأكثر من واحدة الا لضرورة، ومع مراعاة ما أوجبه الله من العدل.
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} تمتعوا بما شئتم من السراري، وهذا غير موجود في عصرنا.
{ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ} اي ان الاقتصار على زوجة واحدة أقرب الى عدم الوقوع في الظلم والجور، كما أنه أدعى إلى ألاّ كثر عيالكم فتعجزوا عن الانفاق عليهم.