للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرأيتكم: أخبِروني، وهو أسلوب يُذكر للتعجيب والتنبيه الى أن ما يُذكر بعده غريب عجيب. يكشف: يزيل ما تدعونه الى كشفه البأساء: المشقة، والعذاب الشديد. الضراء: الضُرّ ضد النفع يتضرعون: يظهرون الخضوع بتكلّف. مُبْلِسون: متحسرون، يائٍسون من النجاة. دابر القوم: آخرهم.

بعد أن بيّن الله تعالى للمشركين أن علمه محيد بالكون كله، وعنايته تعم كل ما فيه، وأن أمم الحيوان، كأمم الانسان، قد اوتيت نم الإلهام والغريزة ما تميز به بين ما ينعفها وما يرها- أمرَ نبيّه الكريم ان يوجّه الى الكفار هذا السؤال، ليعلموا ان ماتقلّدوه من الشرك عارض يُفسد أذهانهم وقت الرخاء، حتى اذا جد الجد ونزول بهم مكروه دعوا الله مخلصين عار يُفسد أذهانهم وقت الرخاء، حتى إذا جد الجد ونزل بهم مكروه دعوا الله مخلصين له الدين. والسؤال هو: أخبروني أيها المكذّبون إن اتاكم عذاب كالذي نزل بمن قبلكم، او جاءتكم القيامةُ بأهلواها، الى من تتجهون!؟ ألغيرِ اله تضرَعون أن يكشف ما نزل بكم من البلاء؟ إن كنتم صادقين في عبادتكم لغير الله فيجب ان تتجهوا إليهم.

{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} .

الواقع أنكم لا تتجهون إلا اليه، تدعونه ان يكشف عنكم البلاء ان شاء. إنكم في حال الشدة تنسون كل ما تجعلونه شركاء لله، فلماذا تفطنون لهم في الرخاء!!

وقد بين الله في اكثر من آية أن المشركين ينسون آلهتهم المزيفة عند الشدة والضيف، مثل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: ٦٥] .

ثم بين أن من سنّته تعالى أخْذَ عباده بالشدائد لعلّهم يثوبون الى رشدهم، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالبأسآء والضرآء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} .

فلا يشُق عليك أيها الرسول ما تلاقيه من قومك. . لقد بعثنا قبلك رسلاً إلى أمم كثيرة قبل أمتك فكذّبوهم، فعاقبناهم لعلّهم يرجعون الى الله.

لكنّ كثيراً من الناس يصلون الى حال من الشرك والفجور لا يغيّرها بأس ولا يُحَوّلها بؤس فلا تجدي معهم العبر والمواعظ، ومنهم تلك الأمم الذين أُرسل اليهم أولئك الانبياء.

ولا تذهب بعيداً، وحالنا نحن العربَ شاهد ودليل. . . لقد نزل بنا أكبر الشدائد وهاجمنا في ديارنا ألأَمُ الناس وأخبثُهم، بل أخذوا قسما عزيزاً من بلادنا، ومع ذلك لم نتعظ ولم نغير من حالنا شيئا. إننا لا زِلنا سادرين في غرورنا، نتفاخر بماضينا، غافلين عن دونا الحاضر، ويقتل بعضنا بعضاً طمعاً في مناصب فصّلها لهم عدُّ الأمة وخصيم الاسلام. . لم نرجع ألى ديننا، ولم نتضرع الى ربنا، بل تضرعنا الى اعدائنا الألداء في أمريكا واوروبا، نطلب منهم النصر، غافلين متعمدين عن أن النصر من عند الله ومن عند انفسنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>