البر: الصلة، يقال بَرَّ رحمه اذا وصلها. والخير، والاتساع في الاحسان، والطاعة والصدق، وهو جماع الخير، والاخلاق الحسنة وما ينشأ عنها من أعمامل صالحة يتقرب بها العبد الى ربه، أما بالنسبة الى الله فهو الثواب والرضا والمحبة الآلهية.
المساكين: مفرده مسكين وهو الذي لا يستطيع العمل، ولا يفطن أحد له لانه لا يسأل الناس. ابن السبيل: هو المسافر إذا انقطع فلا يجد ما يوصله الى بلده. السائلين: الذين ألجأتهم الحاجة الى السؤال، فاضطروا الى التكفف. في الرقاب: تحرير العبيد واعانتهم على فك رقابهم. البأساء: الشدة. الضراء: كل ما يضر الانسان من مرض أو فقد حبيب من أهنل أو مال. حسن البأس: وقت الحرب.
وهذه أجمع الآيات في تحديد معنى البر من النواحي الواقعية. فهي ترشد الى ان البر لا يرتبط بشيء من المظاهر والصور والأشكال، واما بالحقائق ولب الأمور وروح التكاليف. كما ترشد الى ان البر أنواع ثلاثة جامعة لكل خير: برٌّ في العقيدة، وبر في العمل، وبر في الخُلق.
يعلمنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ان الخير ليس في الجدل في أمور لا تجدي، ولا هو متعلق بالتوجه الى المشرق أو المغرب في صلاة مظهرية جوفاء، كلا، وانما هو أولاً الإيمان بالله في ربوبيته ووحدانيته؛ والايمان باليوم الآخر، حيث تتم المحاسبة على ما جنته الجوارح وما في القلوب والضمائر. بيد ان الايمان بالله واليوم الآخر لا يمكن للعقل البشري ان يصل اليه مستقلاًّ بل لا بد من واسطة تدلنا عليه. وهي من ثلاثة عناصر: الملائكة الذين يتلقون عن الله مباشرة، والأنبياء الذين يتلقُّون عن الملائكة، والكتاب الذي يتلقونه ويبلّغون ما فيه من أحكام وتشريعات. وقد عبر الله عنها بالكتاب اشارة الى وحدة الدين عد الله. هذه الأمور الخمسة هي البر في العقيدة: الايمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين.
أما البر في العمل فله شُعب كثير ترجع كلها مهما تنوعت الى بذل النفس والمال ابتغاء مرضاة الله، وادخال السرور على خلق الله. والعمل هو مَدَدُ العقيدة وفي نفس الوقت ثمرتها، يحفظها وينمّيها، ويدل عليها. وقد ذكرت الآية بذل النفس في أعظم مظهر له، ذلك هو اقامة الصلاة. فالصلاة هي عماد الدين، والفارق بين المؤمن وغيره. انها مناجاة العبد لربه، والناهية عن الفحشاء والمنكر، والعاصمة من الهلع والجزع. هذه هي الصلاة اذا اقامها المرء على حقيقتها، فوقف بين يدي ربه وقد خلع نفسه من كل شيء في دنياه، وسلّم لله أموره ونسي ما عداه. بذلك يكون قد بذل نفسه لله، ووضعها بين يديه، فجاءت صلاته عهداً حقيقياً بينه وبين ربه.
ثم بين الله تعالى في الآية بذل المال في وصرتين، أحدهما قوله تعالى:{وَآتَى المال على حُبِّهِ ذَوِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وَفِي الرقاب} والثانية قوله تعالى: {الزكاة} ويجب ان يفهم هنا بمقتضى هذا الوضع القرآني الكريم ان الزكاة المفروضة شيء، وان ايتاء المال لهؤلاء الأصناف المذكورة شيء آخر لا يندرج في الزكاة ولا تغني عنه الزكاة.