انفروا في سبيل الله: أقدموا على الجهاد وأسرعوا في الخروج اليه. اثاقلتم: تباطأتم. في الغار: الغار هنا هو غار ثور الذي لجأ اليه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ابو بكر رضي الله عن هـ يوم الهجر. سكينته: سكون النفس وطمأنينتها.
الكلام من هنا الى أواخر السورة في غزوة تبوك، وما لابسَها من هتك ستر المنافقين وضعفاء الايمان، وتطهير قلوب المؤمنين من عوامل الشقاق. وهناك بعض الأحكام تخلّلت الآيات جرياً على سُنة القرآن في أسلوبه الحكيم.
ومناسبة الآيات لِما بلها ان الكلام السابق كان في حُكْم مشاكلِ اليهود، وبيانِ حقيقة أحوالِهم المنحرفة، وبيانِ بعض عقائد العرب في الجاهلية وإبطالها.
والكلام هنا في غزوة تبوك، ومواجهة الروم ومن يشايعهم من عرب الشام، وجميعهم نصارى. وكانت المعركة في رجبَ، سنةَ تسعٍ للهجرة، المصادف لشهر تشرين الثاني.
وتبوك موضع في منتصف الطريق بين المدينة، ودمشق، تبعد عن المدينة حوالي ٦٠٠ كيلو متر، وعن دمشق حوالى ٧٠٠ كيلوا متر.
كان مُلك الروم يشمل بلاد الشام، وسمعوا بقوة الإسلام، فخاف ملكهم هِرقْل على دولته. لذلك بادر الى جمع الجيوش ليهاجم المسلمين في دراهم. وقد نقل هذه الاخبار عددٌ من التجار الآتين من بلاد الشام، فنذب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس واستنفرهم الى قتال الروم. وتجهّز المسلمون حتى اجتمع جيشٌ كبير بلغ ثلاثين الفا. وقد تبارى المسلمون في البذل والعطاء، فدفع عثمان بن عفان رضي الله عن هـ الف دينار، وجاء أبو بكر بكل ما يملك، وجاء عمر بنِصف ما يملك، وتطوع الناس بقد ما يستطيعون.
كان الوقت في أواخر الصيف والحر الشديد، والسفر طويل وشاق، ولذلك سُميت غزوة العُسْرة. كانت الثمار قد طابت بعد نضجها، والناس يحبّون المقام لجمع ثمارهم، ويكرهون الشخوص آنذاك، ومن هنا تخلّف المنافقون وتعّللوا بشتى المعاذير. وكان بينهم اربعة من كبار الصحابة هم: كعب بن مالك، وهلال بن امية، ومرارة بن الربيع، وابو خيثمة، وجاء أبو خيثمة الى داره فوجد زوجتَيه قد مهّدتا له الفراش، وهيّأتا له كل سبيل للراحة، فلما وجد كل هذه الرفاهية في منزله قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الضِحّ (الشمس) والريح والحر، وأبو خيثمة في ظلّ بارد، وطعام مهيّأ، وامرأة حسناء، وفي ماله مقيم! ما هذا بالنَصف. ثم هيّأ نفسه ولحق بالرسول وجيشه.
وسأتي خبر إخوانه الثلاثة الذين خُلّفوا فيما بعد.
ومضى الجيش حتى وصل تبوك ولم يلقَ حربا، وقد عقدت صلحاً مع حاكم تبوك وبعض حاميات الحدود، وعاد الرسول وجيشه الى المدينة. واستغرقت هذه الرحلة نحو عشرين يوما.
{ياأيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِي سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأرض} .