الغاشية: القيامة. خاضعة: ذليلة. عاملة، تعمل في الدنيا لنفسها واولادها واطماعها. ناصبة: تعبة. والفعل نصِب ينصَب نصبا: تعب. من عينِ آنية: من نبع ماؤه شديد الحرارة. أنى يأنى سخن وبلغ الشِّدةَ في الحرارة. الضريع: نوع من النبات له شوك تأكله الإبل عندما يكون رطبا، فاذا يبس لا يستساغ. ناعمة: مرفهة نضرة. لسعيها راضية: جزاءً لعملها الذي عملته في الدنيا راضية مطمئنة. عالية: مرتفعة مكاناً وقدرا. لا تسمع فيها لاغية: لا تسمع فيها كلاما فاحشا يؤذي السامع. فيها عين جارية: ماء متدفق يسر الناظرين. سرر مرفوعة: جمع سرير واذا كان مرفوعا فانه يكون نظيفا مريحا. واكواب موضوعة: معدَّة ومهيأة للشراب. ونمارق مصفوفة: وسائد صُف بعضها الى جانب بعض، المفرد نمرقة. وزرابي مبثوثة: وبسُط وفرش مفروشة هنا وهناك للزينة والراحة. الإبل: جمع لا واحد له من لفظه مفردها: بعير. سُطحت: مدت ومهدت للحياة والسير والعمل للناس. لستَ عليهم بمسيطر: انما انت واعظٌ ومنذر لا متسلط تجبرهم على ما تريد. إيابهم: رجوعهم.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية}
هل جاءكَ يا محمد خبر نبأ يوم القيامة التي تغشى الناسَ وتغمرهم بأهوالها؟ والخطابُ وان كان لرسول الله فهو عام لكل من يسمع. . . .
بعد هذا الاستفهام فصَّلَ شأنَ اهل الموقف في ذلك اليوم. وبيَّن أنهم فريقان: فريق الكفرة الفجرة، وفريق المؤمنين البررة فقال:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ}
في ذلك اليوم تظهر وجوه ذليلة خاضعة مهينة، عملَ أصحابها في الدنيا كثيرا وتعبوا كثيرا، ولكنْ لغير الله، فما نفعتهم اعمالهم ولا أموالهم.
{تصلى نَاراً حَامِيَةً تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ}
مع هذا الذل والهوان يدخلُ أصحابُ هذه الوجوه النارَ الحامية في جهنم. واذا عطِشوا يَسقونهم ماءً حارا من عين حرارتُها بالغة الشدّة، واذا طلبوا الطعامَ يقدَّم لهم طعام خبيث رديء، اسمه الضَريع، ليس فيه فائدةُ الطعام المعروف، لأنه {لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ} .
فهذه الصورةُ البشعة من العذاب تصوّر في اذهاننا هولَ ذلك اليوم حتى نرعويَ ونبتعدَ عن كل ما يُغضب الله من أعمال واقوال، ونسلكَ الطريق المستقيم.
وبعد ان بين حالَ المجرمين وما يلاقون من ذلّ وهَوان وعذاب، وصف المؤمنين الصادقين بأحسن الأوصاف فقال:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. . . .}
أما وجوه المؤمنين الصادقين يومئذ فتكون نضرة مبتهجة كما جاء في قوله تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم} [المطففين: ٢٤] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} [القيامة: ٢٢] .
وقد فرحتْ هذه الوجوه بما لاقت من جزاء عملها في الدنيا، فهي لسعْيِها راضية، في جنةٍ مرتفعة مكاناً وقدرا. وهي بعيدة عن اللغو، فهي في منازِل أهل الشرف في سعادة وكرامة في ضيافة رب العالمين.