الانعام: الابل والبقر والمعز والغنم. الدفء: ما يدفئ الانسان من ثياب وغيرها. المنافع: ما يفيد الانسان منها من ركوب وحرث ولبن. وجمال: زينة. تريحون: تردونها من المرعى الى مَراحِلها بعد رعيها. تسرحون: تخرجونها صباحا الى مراعيها. الاثقال: الامتعة. بشق الانفس: بمشقة وتعب. قصد السبيل: الطريق المستقيم. جائز: مائل، منحرف.
{والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} .
وقد تفضَّل اللهُ عليكم بأن خَلَقَ لكم الإبلَ والبقرَ والغنمَ والمَعز لتتّخِذوا من أصوافها وأوبارِها وأشعارِها وجلودها ما تحتاجون إليه في حياتكم وتشربون من ألبانِها، وتأكلون من لحومها.
{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} .
ولكم في هذه الأنعام بهجةٌ وسرور عندما ترجع من مراعا وهي مُقْبِلَةٌ مساءً ملأى البطون، حافلةَ الضروع، رائعةً سمينة، وحين تُخرِجونها صباحاً إلى المرعى، فإن منظَرَها يسرُّ الناظرين. وهذا يبدو لأهلِ الريفِ والبدو، ولا يدركه أهل المدينة.
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} .
وبعضُ هذه الأنعامِ كانت من وسائل المواصلات ولا تزال كذلك في كثيرٍ من البلدان، تحمل أمتعتكم الثقيلة وتوصلُكم الى بلدٍ لم تكونوا تستطيعون الوصولَ إليه بدنها إلاّ بكلّ مشقّةٍ وتعب.
{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} إن ربّكم الذي هَيَّأ لكم كلَّ هذه النعم وجعلّها لراحتكم لهو رؤوف بكم واسع الرحمة لكم.
{والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} .
وخلَق لكم الخيل والبغالَ والحمير أيضاَ لتركبوها، وهي بالإضافة الى الإبلِ كانت وسائلَ النقل، وزينةً لكم. وهذه اللفتةُ لها قيمتُها في بيان نظرة القرآنِ والإسلام للحياة، فإن الجَمالَ عنصرٌ أصيل في هذه النظرة، وليست النعمةُ مجردَ تلبيةِ الضرورات من طعام وشرابٍ وركوب، بل هناك ما يُدْخلُ السرورَ على الانسان، ويلبيّي حاسَّةَ الجَمال ووِجدان الفرحِ والشعورِ بالجمال.
ومع ان هذه الوسائلَ أصحبت قديمة، فإن كثيراً من الناس لا يزالُ يربِّي الخيلَ والإبلَ ويُسَرُّ فيها صباح مساء، ولا تزال في كثي من البلدان فرقٌ كاملة من الفرسان والهجّانة في الجيشِ، وهي من أجملِ الأشياء التي يحبُّها الانسان.
{وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .
وهذا من عَظمة القرآنِ حيثُ أشار الى ما يجدُّ من وسائل النقل، وستجدُّ وسائل كثيرة لا نعلمها نحن في الوقت الحاضر. والقرآن الكريم دائماً يهيّئ القلوبَ والأذهان بلا جمود ولا تحجُّر.
ولحومُ الخيل محرَّمةٌ عند أبي حنيفة، وحلالٌ عند مالكٍ والشافعيِّ وابن حنبل، اما لحومُ البغال والحمير فهي محرَّمة عند أبي حنيفة والشافعيّ وابنِ حنبل، ومكروهةٌ عند مالِك، وجميعُها حلال عند الشِّيعة الإمامية مع الكراهة.
{وعلى الله قَصْدُ السبيل} .
وعلى اللهِ بيانُ الطريقِ المستقيم يوصلكم الى الخير. «ومنها جائزٌ» ومن الطرق ما هو جائز منحرفٌ لايُوصلُ الى الحق، وعلى الله بيانُ ذكل ليهتدي إليه الناس.
ثم أخبر سبحانه ان الهداية والضلال بقدرته ومشيئته فقال:
{وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} .
ولو شاءَ هدايتكم جميعاً لهادكم، لكنّه شاء ان يخلُقَ الإنسانَ مستعدّاً للهدى والضلال وان يدعَ لإرادته اختيار الطريق.