الحشر: اجتماع الخلق يوم القيامة.
بعد أن أمر الله تعلى نبيّه الكريم بتبليغ الناس حقيقة رسالته، أمره بإنذار من يخافون الحساب والجزاء فقال:
أنِذر ما محمد بما يوحى إليك، وحذّر بما في هذا القرآن أولئك الذين يخافون اهوال يوم الحشر، حيث لا ناصر ولا شفيع إلا بإذن الله، لعلّهم يتقون فيبتعدون عما يُغضبه.
{وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} .
ثم نهى الرسولَ أن يطيع المترفين من كفار قريش في شأن المستضعفين من المؤمنين.
فقالك لا تستجيب أيها النبي، لدعوة المتكبرين من المشركين، فتُعبد عنك المتسضعفين من المؤمنين. إنهم هم الذين يعبدون ربهم طول الوقت لا يريدون إلا رضاه. لا تلتفت يا محمد لدسّ المشركين عليهم، فلست مسئولاً أمام الله عن شيء من أعمالهم، وليسوا مسئولين عن أعمالك، فإن استجبتَ وأبعدتَ المؤمنين، كنتَ من الظالمين.
كان زعماء المشركين وكبراؤهم- أمثال أبي جهل وعُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والحارث بن عامر، وقرظة بن عمرو وغيرهم - كثيراً ما يتضايقون من المؤمنين المتسضعَفين - مثل عمار بن ياسر، وبلال، وصهيب، وخَبَّاب، وسالم مولى أبي حذيف، وابن سمعود- وكانوا يطلبون من النبي ان يبعدهم عنه حتى يحضروا مجلسَه ويستمعوا اليه.
روى احمد، وابن جرير، والطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: «مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صُهيب وعمار وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيتَ بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء مَنّ الله عليهم من بيننا؟ انحن نكون تبعا لهؤلاء؟ أطردْهم عنك، فلعلّك ان طردتهم أن نتبعك.
فأنزل الله تعالى فيهم القرآن: {وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ. . . إلى قولهأَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين-} .
{وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} .
تشير الآية الكريمة الى ما سبق وتفسيرها:
وبمثل هذا الابتلاء الذي جرت به سنتنا، امتحنّا المتكَبرين. . لقد سبقَهم الضعفاء الى الاسلام، ليقول المتكبرون مستنكرين ساخرين: هل هؤلاء الفقراء هم الذين أنعم الله عليهم من بيننا بالخير الذي يعد به محمد؟
وفي الآية إشارة الى أن ما اغتّر به الكبراء من النعيم لن يدوم، كما لن يبقى المؤمنون على الضعف الذي صبروا عليه. . لا ان ينعكس الحال، وتدول الدُّولة لهؤلاء الضعفاء من المؤمنين وقد صدَق الله وعدَه.
قرأ ابن عامر:» بالغُدوة «والباقون،» بالغَداة «.