الميثاق: العهد المؤكد. فنبذوه: فرموه. واشتروا به ثمنا قليلا: وأخذوا بدله شيئاً قليلا من مطامع الدنيا.
بعد ان بين الله تعالى شُبهة اليهود ومطامعهم في نبوة سيدنا محمد جاء هنا يفضح موقف أهل الكتاب جميعاً في مخالفتهم عهد الله معهم يوم آتاهم الكتاب. وقد تضمّن سياق السورة الكثير من أباطيل أهل الكتاب وأقاويلهم وبخاصة اليهود. ومن أبرزِها كتمانهم للحق الذي يعلمونه حق العلم، بغية إحداث البلبلة والاضطراب في الدين الاسلامي، وإنكاراً لوحدة المبادىء بينه وبين الأديان التي قبله. هذا مع ان التوراة بين ايديهم، ومنها يعلمون أن ما جاء به محمد هو الحق من عند الله. إذنْ، لماذا يكتمون الحق ولا يبالون به؟ طمعاً في حطام تافه من عرض الدنيا!
هنا يكشف الله ألا عيبهم ثم يخاطل رسوله والمؤمنين: اذكروا حين أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب بلسان أنبيائهم أن يوضحوا معاينه ولا يحرّفوه عن مواضعه، أو يحفوا شيئا من آياته عن الناس. . لكنهم ألقوه وراء ظهورهنم واستبدلوا به حطام الدنيا ليتمتعوا بلذاتها الفانية، {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} .
وينطبق هذا المسلمين اليوم، فهم قد اتبعوا أهواءهم وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم. من ثم أصبحوا حيارى، لا يدرون ماذا يعملون، فيما تتخطفهم الأمم من كل جانب.
قال الزمخشري رحمه الله: كفى بهذه الآية دليلاً على انه مأخوذ على العلماء ان يبيّنوا الحق للنار وما علموه، وان لا يكتموا منه شيئا. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عن هـ: ما أخذ الله على أَهل الجهل ان يتعلّموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلِّموا.
وها نحن نرى كلتا الطائفتين مقصرة أشد التقصير. وعذاب الجهّال منصبٌّ على رؤوس العالمِين. وقد ألهى الطمعُ في المال والجاه.