بعد ان جادل الكتابُ اليهود، وعدّد مخالفتهم لصُلْب ديانتهم، ونقضَهم المواثيق والعهود، شرع هنا يفصّل ما عمله النصارى من تحريف في عقيدتهم.
إن الذين ادّعوا أن الله هو المسيح بن مريم قد كفروا وضلُّوا ضلالا بعيدا. والحق أن عيسى بريء من هذه الدعوى، فقد قال لهم عكس ما ينسبون اليه. لقد أمرهم بعبادة الله وحده، معترفاً بأنه ربه وربهم. . وجاء هذا صريحاً في الاناجيل، ففي إنجيل يوحنا (هذه هي الحياةُ الأبدية، أن يعرِفوك أنت الإله الحقيقيَّ وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلتَه) . وبعد ان أمرهم عليه السلام بالتوحيد الخالص، أتبعه بالتحذير من الشرك والوعيد عليه:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة وَمَأْوَاهُ النار وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} . ن اللهَ هو الذي خلقني وخلقكم جميعاً، وهو مالك أمرِنَا جميعا، وإن كل من يدّعي لله شريكاً، فان جزاءه ان لا يدخل الجنة أبدا، وليس لمن يتعدى حدوده ويظلم ناصرٌ يدفع عنه العذاب يوم القيامة.
لقد كفر الذين قالوا ان الله، وهو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما ثالثُ أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، روح القدس، فالحق أنه يتصِف بالوحدانية، ولا تركيب في ذاته ولا في صفاته. إنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . ثم قال متوعداً {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فإن لم ينتهِ هؤلاء عن العقائد الزائفة، ويرجعوا إلى الإيمان باللهِ وحده، فواللهِ ليصيبنَّهم عذابٌ شديد يوم القيامة. {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . ن الله واسع الرحمة اذا تابوا ورجعوا اليه.
ثم أكد الله تعالى ان المسيح رسول كغيره من الرسل وأقام الدليل على ذلك فقال:{مَّا المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} ليس عيسى بن مريم إلا عبداً من البشر، أنعم الله عليه بالرسالة كغيره من الرسل. أمّا أمه مريم فهي صدّيقةٌ في مرتبة تلي مرتبة الأنبياء، ولكنها أيضاً من البشر، فعيسى وأمه يأكلان الطعام كغيرهما من الناس، فانظر أيها السامع نظرة عقلٍ وفكر، ثم تأمل كيف ينصرفون عن الحق مع وضوحه.