أخاهم: تعني هنا أُخوة الجنس: السفاهة: خفة العقل. بسطة: سعة قوة. آلاء الله: نِعمة احدها أَلا وإلى. رجس: عذاب الغضب: الانتقام. المجادلة: الممارة والمخاصمة السلطان: الحجة والدليل الدابر: الآخِر، يعني أهلكناهم جميعا.
تعرض هذه الآيات قصة هودٍ مع قومه، قومٍ عاد، فقد كانوا عباد أوثانٍ، منازلُهم في الأحقاف- وهو الرمل - بين عُمان وحضرموت. وقد رزقهم الله القوة والغنى، فلمّا جاءهم هودٌ بالرسالة من عند ربه ليوحّده، ويكفّوا عن الإفساد في الأرض، أبوا ذلك، وكذّبوه، وأصروا على عبادة اصنامهم.
ولقد قال لهم: يا قوم، اعبُدوا الله وحده، ليس لكم إله غيره، «افلا تتَّقون» أي تخسون الله، علّه ينجيكم من الشَّرِ والعذاب.
{قَالَ الملأ الذين كَفَرُوا} .
فأجاب ذَوُو الزعامة والصدراة من قومه: انا لَنراك في خِفّة م العقل، وضلالٍ عن الحق، كيف لا وقد تركتَ ديننا، ودعوتَنا هذه الدعوة الغريبة!! إنا لَنعتقدُ أنك من الكاذبين.
قال: يا قوم، ليس بي في الدعوة أيُّ قدرس من السفاهة ولست بكاذبٍ، بل أنا رسول اليكم من ربّ العالمين، جئتكم بالهداية التي تخلًّصكم.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} .
إنني أنقُل اليكم أوامر ربي ونواهيه، وامحضكم النصح الخالص ولست من الكاذبين.
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} .
هل أثار عجبكم واستغربتم ان يجيء إليكم تذكير بالحقّ من ربّكم على لسان رجلٍ مكم يخّوفكم عقابَ الله حتى تتركوا ما انتم عليه.
ثم اشار الى ما أصاب المكذِّبين الذين سبقوهم، وإلى نعم عليهم فقال:
{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَسْطَةً. . .} .
اذكُروا فضلَ الله عليكم إذ جعلكم وارثِين للأرض من بعد قوم نوحٍ الذين أهلكهم لتكذيبهم نبيِّهم نوحاً، وزادكم قوةً في الأبدان والسلطان وكل هذه نِعم تقتضي الإيمان، فتذكّروا هذه النِعم، واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له وتَرْك الإشراك به.
لكنهم منع هذه الدعوة بالحسنى قالوا متسغربين: أجئتَنا لتدعُونَا إلى عبادة الله وحدَه، وأن نترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام؟
وقد ان استنكروا التوحيد تحدَّره وقالوا: ائتِنا بالعذابِ الّذي تهدُّونا به أن كنت صادقاً في قولك ووعيدك.
فأجابهم هود على تحدّيهم هذا:
{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ. . .} .
انكّم لعنادكم قد حقَّ عليكم عذابُ الله يَنزِل بكم، وغضبُه عليكم. تُجادلونني في أصنامٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم؟ ما جعل الله من حجّة تدلّ على ألوهّيتها، ولا لها قوةٌ خالقةٌ تجعلكم تبعدونها. وما دمتم كفرتم ولَجَجْتم هذه اللجاجة فانتظِروا نزول العذاب الذي طلبتموه، ونحن ننتظر معكم.
فلما جاء أمرُنا ووقع العذابُ أنجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا، فيما استأصلْنا دابر الكافرين الذين جحوا بآياتنا، حتى لم نبقِ منهم أحداً.
وهكذا طُويت صفحةٌ أُخرى من صحائق المكذبين.