غاشية: عقوبة شاملة. الساعة: القيامة. بغتة: فجأة.
{وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} .
انتهت قصة يوسف وبدأت بعد ذلك التعقيبات عليها، ومعها لفتات متنوعة، وجولات موحية في صفحة الكون وفي أغوار النفس، وفي الغيب المجهور، وكل هذا لولا وحيُ الله تعالى لما وصل الى علم النبيّ الكريم عليه الصلاة والسلام.
لقد كان رسولُ الله حريصاً على إيمان قومه، رغبة في إيصيال الخير الذي جاء به إليهم، ورحمة لهم مما ينتظرُ المشركين من نكد الدنيا وعذاب الآخرة.
وما اكثرُ مشكركي قومك يا محمد- ولو حَرَصت على ان يؤمنوا بك ويتبعوا ما جئتهم به من عندك ربك - بمؤمنين.
{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} .
أنت غنيّ عن ايمانهم يا محمد، فلستَ تطلب منهم أجرا على الهداية ولا مالا ولا منفعة. انك انما تدعوهم ان يتبعوا أمر ربك، وفي ما تعدوهم اليه تذكير وموعظة لارشاد العالمين كافة الا لهم خاصة.
{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} .
ما اكثر الدلائل المبثوثة في تضاعيف الكون على وجود الخالق ووحدانيته وكماله. انها معروضة للابصار والبصائر، في السموات والارض، وهم يمرون عليها صباح مساء، ولكنهم لا يروْنها ولا يسمعون دعاءها ولا يحسون ايقاعها العميق.
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} .
قال ابن عباس: هم اهل مكّة آمنوا وأشركوا وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، الا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. وهذا هو الشِرك الاعظم.
فايمان اكثرهم لا يقوم على اساس سليم من التوحيد، لأنهم لا يعترفون بوحدانية اله اعترافا خالصا، ولكنه مقترن في نفوسهم بشوائب تسلكهم في مسلك المشركين.
والشرك انواع، روى الامام احمد ان رسول الله قال: «انّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الاصغر، قالوا: وما الشِرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة اذا جاء الناس بأعمالهم: اذهبوا الى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا فانظُروا هل تجشدون عندَهم من جزاء» .
وبعد، فما الذي ينتظره أولئك المعرِضون عن آياتِ الله الناطقة في صفحات الوجود بعد اعراضهم عن آيات القرآن التي لا يُطلب منهم عليها أجر.
{أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} .
افأمِنَ هؤلاء الذين يؤمنون بالله لكنهم يشركون به غيره في العبادة، ان تاتيهم عقوبة شاملة تغشاهم، او تأتيهم الساعة فجأة حيث لا يتوقعون!!