وُسْعها: ما تقدر عليه نزعنا ما في صدروهم: أخرجنا من نفوسهم كل حقد الغل: الحقد من عداوة او حسد. أورثتموها: صارت اليكم كما يصير الميراث الى أهله.
يعرض الله تعالى هنا المشهدَ المقابل، وهو حال المؤمنين وما يلاقونه يوم القيامة من نعيم، وكيف يُذهِب من صدروهم كلَّ حقدٍ وغل، فيحمَدون الله على نِعمه وما أورثهم من جنات. وتلك طريقة القرآن الكريم، وهذا منهجه الحكيم.
والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة التي لم نكّلفهم إى ما يُطيقونه منها، هم اهل الجنة يتنعّمون فيها، خالدين فيها ابدا.
لقد أخرجْنا ما كان من صدورهم من حقد، فهم اليوم في الجنة، إخوان متحابّون- وهذا بخلاف الكّفار الّذين يلعن بعضُهم بعضا- تجري من تحتهم الأنهار بمائها العذب، ويعبّرون عن رسورهم بما نالوا من النعيم قائلين: الحمدُ لله الّذي هدانا فدلَّنا على طريق هذا النعيم، ووفّقنا الى سلوكه ولولا أن هدانا الله، بإرسال الرسل وتوفيه لنا، ما كان في استطاعتِنا ان نهتدي وحدنا. لقد جاءت رُسل ربّنا بالوحي الحق فآمنّا برسالاتهم.
وهنا يناديهم ربهم ويقول لهم: إن هذه الجنةَ هبةٌ من الله أُعطيتموهما فضلاً مني دون عوض منكم، كالميراث، كل هذا جزاء إيمانكم واعمالكم الصالحة في الدنيا.
قراءات:
قرأ ابن عامر: «ما كنا لنهتدي» بدون واو والباقون وما كنا لنهتدي.
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخّدري وأبي هريرة رضي الله عن هما، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ، ينادي منادٍ، إن لكم ان تَصِحُّوا فلا تَسْقموا أبدا، وإن لكم ان تَحيوا فلا تموتوا أبدا، وان لكنم ان تَشُبّوا فلا تهرَموا أبدا، وإن لكم أن تَنْعَموا فلا تيأسوا ابدا» .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عن ها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَدِّدوا وقاربوا وأبشِروا، فإنه لا يُدخِل أحداً الجنةَ عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا، إلا أن يتغمّدَني الله بمغفرٍة ورحمة» .
سدِّوا وقاربوا: لا تغْلوا في دينكم، ولا تتكلفوا من العمل ما لا طاقة لكم به.
وهذا الحديث تنبيهٌ من النبي الكريم لنا حتى لا نغترَّ بأنفُسِنا وبأعمالنا فنتلّكلَ عليها كما يفعل كثير من المتدينين. فنارهم يشمخون بانوفهم، ويتعالون على غيرهم، وهذا ليس من الاسلام.
ومعنى الحديث: إن هذا الجزاءَ الذيَ يحصَل عليه الطائعُ ليس بَدَلاً مماثلاً لطاعتهن وليس جزاء مساوياً كالشأن بين البدَلَين، وان كانت الطاعة هي التي اوجبتْه. لذا فإنه لن يدخلَ أحدُكم الجنةَ بعملٍ يساوي ما فيها من النعيم ففضلُ الله عظيمٌ سابغ باعتبار جعلِه الجنةَ بَدَلاً من عمل محدود لا يقابلها في ذاته.